گلچینی از سایت های علمی ، فلسفی و عرفانی
گلچینی از سایت های علمی ، فلسفی و عرفانی

گلچینی از سایت های علمی ، فلسفی و عرفانی

الشعائر الحسینیّة سنة أم بدعة ؟


الشعائر الحسینیّة


سنة أم بدعة ؟


طبقاً لأسس وقواعد أهل السنة والجماعة

 



محاضرات
 الشیخ أحمد الماحوزی


إعداد وتدوین
بشار الداود          راضی حبیب


دار أهل الذکر


الشعائر الحسینیة سنة أم بدعة

بسم الله الرحمن الرحیم
الشعائر الحسینّة
سنّة أم بدعة ؟


لا زال المؤمنین منذ زمان بعیدٍ  وإلى الآن لهم طقوس وممارسات معینة ترتبط بأهل البیت علیهم السلام بصورة عامة، وبالحسین علیه السلام بصورة خاصة مؤکدة، تقام فی مناسبات متعددة وأیام مخصوصة احتفالا بموالیدهم وأفراحهم، أو تأبیناً وحزناً علیهم .
وللعشرة الأولى من شهر محرم اهتمام خاص وحثیث من قبل محبی الحسین وأهل بیته علیهم السلام، فما أن یدخل أول شهر محرم إلا وتجد فی کل مکان یتواجد فیه المحبین، مآتم الحزن والبکاء على الحسین، وتختلف الممارسات فی إظهار هذا الحزن من مکان إلى آخر ومن زمان لآخر، حسب مقتضیات ذلک المکان والزمان .
والسؤال : هل ما یقوم به المؤمنون حزناً على الحسین علیه السلام بصورة عامة من ممارسات وطقوسات مختلفة وشعائر متنوعة لها دلیلها الشرعی أم أنه یندرج تحت عنوان البدعة والابتداع  فی الدین، فهل کل تلک الشعائر من الأمور المستحدثة التی لا تمت إلى الإسلام بصلة أم إنها لها دلیلها الشرعی والقرآنی، وبتعبیر ثالث هل هی من السنّة .
تعریف السنّة
وهی لغةً: الطریقة  والسیرة، فسنة الله أی طریقة وسیرته، ومنه قوله سبحانه وتعالى (( سنة الله التی قد خَلَت من قبل ولن تجد لسنة الله تبدیلا )) (1) ، وقد تقال طریقته لحکمته وطاعته وأصلها من قولهم : سننتُ الشیء بالمسن، أی فمررته علیه حتى یؤثر فیه سناً أی طریقاً . فهی الطریقة المعتادة سواء کانت حسنة أم سیئة، مرضیة أم قبیحة .
وأما معناها الشرعی الفقهی الذی هو محل البحث فهی : قول وفعل وتقریر الرسول صلى الله علیه وآله وسلم .
فمثال الأول : قوله صلى الله علیه وآله (( إنی مخلف فیکم الثقلین کتاب الله و عترتی  أهل بیتی ما إن تمسکتم بهما لن تضلوا من بعدی فإنهما لن یفترقا حتى یردا علیّ الحوض (2) ))
ومثال الثانی: أکثر أفعال الحج من الطواف والسعی ورمى الجمار، فبعد أن طاف رسول الله صلى الله علیه وسلم وسعی ورمى الجمار، طاف وسعى المسلمون تبعاً لفعل الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله .
ومثال الثالث : کأن یأکل الصحابی الجراد بمحضر الرسول الأکرم صلى علیه وآله ، فلا یردعه عن أکله، فیستفاد من عدم الردع والتعلیق على هذه الحادثة جواز أکله إذ لو کان محرماً لردع الرسول صلى الله علیه وإله عنه ولبیّن حرمته، وبما إنه سکت وأقره فیستفاد من عدم حرمة أکل الجراد .
ویتفرع على التعریفین : أن السنّة بالمعنى اللغوی تنقسم إلى سنة حسنة وسیئـة،

الفتح الآیة 34
حدیث الثقبین من الأحادیث المتواترة المرویة فی الصحاح والسنن والمسانید والمعاجم، والنقاش فی بعض طرقه لإثبات عدم تواتره ـ أو عدم صحته ـ عقیم ، وللإطلاع على طرق هذا الحدیث راجع کتاب عبقات الأنوار فی إمامة الأئمة الأطهار .

وأما بالمعنى الاصطلاحی فهی دائماً وأبداً حسنـة ومحبـوبة ومرغـوبة .
فقوله صلى الله علیه آله: (( من سَنَّ سُنَّةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى یوم القیامة ومن سن سنة سیئة کان علیه وزرها ووزر من عمل بها إلى یوم القیامة ))، هو تقسیم للسنة بمعناها اللغوی کما لا یخفی فتدبر جیداً حتى لا تغفل
تعریف البدعة :
أم لغةً : فقال الفراهیدی: أن البدع هو إحداث شئ لم یکن له من قبل خلق ولا ذکر ولا معرفة وقال الراغب الأصفهانی : هو إنشاء صفة بلا إحتذاء وإقتداء .
فالابتداع هو إنشاء الشیء لا على مثال سابق واختـراعه وابتکاره بعد أن لم یکن، ومن أسمائه تعالى (( البدیع )) وهو الخالق المخـترع لا على مثال سـابق (( بدیع السماوات والأرض ))، وقوله تعالى (( ما کنت بدعا من الرسل )) أی لست أول رسول أبعث .
 فالبدعة لغةً : تشمل کل ما لم یکن له مماثل وشبیه فی الماضی، فالعادات والتقالید والأطعمة والأشربة والألبسة والأبنیة وما شابه ذلک إذا لم تکن فی السابق واستحدثت فهی من مصادیق وصغریات البدعة لغة .
فالتقدم الحضاری والصناعی والتکنولوجی والفضائی والذری، وما یصاحب ذلک من احتیاجات وممارسات ووظائف وأعمال من المبتدعات التی لم یکن لها مثیل فی السابق .
فما توصل إلیه الإنسان فی هذا العصر من تطور فی وسائل النقل والمواصلات من درّاجات وسیارات وطائرات وبواخر وصواریخ ومراکب فضائیة وما أشبه ذلک، کل هذه الأمور بما إنها لم تکن موجودة فی السابق فهی من مصادیق البدعة لغة . وأما شرعاً: فهی نسبة شئ إلى الدین ولیس منه، وبتعبیر آخر إدخال ما لیس من الدین فی الدین .                  
فهی بالمعنى الإصلاحی الشرعی أخص من اللغوی، فکل ما هو بدعة بالمعنى اللغوی إذا نسب إلى الدین وهو لیس من فهو بدعة شرعاً واصطلاحا أما إذا لم ینسب إلى الدین ولم یُربط فلیس من البدعة شرعاً ولا اصطلاحاً .
ویتفرع على التعریفین: إن البدعة لغةً أعم من البدعة بمعناها الشرعی، إذ الأمور المستحدثة مطلقاً إن نسبت إلى الدین والشریعة فهی بدعة لغةً وشرعاً وهی محرمة دائماً وأبدً، وإن لم تنسب إلى الدین فأنها بدعة لغة، وعلیه فلا یخلو حالها من أحد الأحکام الخمسة: الإباحة أو الوجوب أو الاستحباب أو الحرمة أو الکراهة .
ولتوضیح المطلب نذکر عدة من الأمثلة :
الأول: طریقة الأکل والشیء فی هذه الأیام المعاصرة تختلف عما علیه سابقاً من کیفیة الجلوس ومن استعمال بعض الأدوات التی م تکن فی السابق تستعمل، کالاستعانة بالملاعق وما أشبه ذلک، هذه الطریقة فی الأکل والشرب من المخترعات الجدیدة ولم یکن لها مثال فی السابق، فإذا لم تنسب إلى الشریعة أمرت بها فهی لیست بدعة شرعیاً،  فتکون بدعة لغة، وبما أنها لا تصطدم مع محرم أو مکره أو ترک واجب فإن واجب حکمها الأولی هو الإباحة، کحکم شرب الماء .
الثانی: النظم والقوانین التی وضعها البشر فی هذا العصر لتنظیم حرکة السیر والمرور فی کل أنحاء العالم، وهی من الأمور المستحدثة قطعاً، وحینما وُضعت  لتنظیم حرکة المرور حتى لا تحدث المصادمات والکوارث التی تودی إلى الموت والخسارة، فهی بدعة لغة شرعاً .
ولکن حکمها ـ بنظر الشریعة ـ وجوب الإلتزام لها فی الجملة، لأن الإخلال بها یؤدی إلى ذهاب الأرواح وفساد الممتلکات والإخلال بالنظام، فهی مع کونها بدعة بالمعنى اللغوی لکنها واجبة فی نظر الشریعة حفظاً للأموال والممتلکات والأرواح .
الثالث : التبرع بالدم المتحقق فی هذه الأیام المعاصرة بسبب التقدم الطبی هو من الأمور المستحدثة، وحیث أنه یستحب مساعدة الآخرین ومآزرتهم، فیکون مستحباً شرعاً لاندراجه تحت عنوان (( اتقاد ومساعدة البشر )) وهذا العنوان محبوب ومطلوب لدى الشریعة المقدسة .
الرابع:  التفنن فی صنع المسکرات التی لم تکن لها وجود فی السابق، وإنشاء الأجهزة والشبکات لبث الدعارة والتحلل فی المجتمعات، وما أشبه ذلک من أمور محرمة فی الشریعة الإسلامیة کلها من البدع المحرمة، ومن الواضح من یصنع ویبتکر هذه الأمور لا یدعی إن الشریعة أمرته بذلک، إذ هی تحکم بحرمتها، فهی بدعة بالمعنى اللغوی لکونها لا مثیل لها فی السابق ولکنها محرمة لاصطدامها مع محرم شرعی .
الخامس: الألعاب المسلیة ـ کالأتاری ـ والأفلام التی لا فائدة دنیویة ودینیة من مشاهدتها هی من الأمور المبتدعة بالمعنى اللغوی، وحیث أنها لا تصطدم مع کراهة قضاء الأوقات بلا عمل عقلائی مفید، فیکون حکمها الکراهة .
البدعة فی تقسیم البدعة :
إذا عرفت ذلک :فتقسیم الإمام الشافعی والغزالی وابن حزم وابن الأثیر وغیرهم (1) ، البدعة إلى حسنة وسیئة هو تقسیم للبدعة بالمعنى اللغوی، إذ بمعناه الشرعی لا تکون محدودة ومذمومة بل هی دائماً مذمومة وسیئة کما لا یخفی .
وقد نفى الحدیث المستفیض الذی رواه الکل (( کلُ بدعةٍ ضلالة وکلً ضلالة فی النار )) انقسام البدعة إلى حسنة وسیئة فکل ما نسب للشریعة مما لیس منها فهو بدعة محرمة لأنه تقوّل على البشریة فتدبر .
قال ابن حجر : المحدثات بفتح الدال، جمع محدثة، والمراد بها ما أحدث ولیـس له

(1) راجع : فتح الباری لابن حجر ج13/253، وجامع الأصول لابن الأثیر 1/280 واحیاء علوم الدین 2/4 وغیرهم

أصل فی الشرع، ویسمى فی عرف الشرع (( بدعة ))، وما کان له أصل یدل علیـه
 الشرع فلیس ببدعة، فالبدعة فی عرف الشرعة مذمومة بخلاف اللغة، فإن کل شئ أُحدث على غیر مثال یسمى بدعة، سواء کان محموداً أو مذموماً (1) .
وقال الشاطبی : إن هذا التقسیم (2) أمر مخترع لا یدل علیه دلیل شرعی، لا من نصوص الشرع ولا من قواعده، ولو کان هناک ما یدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما کان ثمَّ بدعة، ولکان العمل داخلاً فی عموم الأعمال المأمور بها، أو المخیر فیها (3) .
فالخلاصة أن البدعة فی المصطلح الفقهی الشرعی تقابل السنّة، والسنّة تقابل البدعة فما لم یکن الشئ من السنّة فهو بدعة، وما لم یکن من البدعة فهو من السنّة .
حدود السنّة والبدعة شرعاً:
لکی تصدق البدعة لا بد من تحقق أمرین :
الأول : نسبة الشیء المبتدع إلى الشریعة المقدسة .
الثانی : أن لا یکون هناک دلیل علیه من آیة أو روایة أو قاعدة أو إجماع أو ما شابه ذلک من الأدلة المعتبرة شرعاً، إذ مع وجود أحد هذه الأمور المذکورة یصدق ما یقابل البدعة وهی السنّة .
والدلیل اللفظی ـ قرآناً وسنة ـ الدال على الحکم الشرعی على عدة أنماط من أهمها:
أولاً أن یکون العنوان المأخوذ فی لسان الدلیل خاص لا یصدق إلا على مصداق وفرد واحد .

(1) فتح الباری بشرح صحیح البخاری 4/252
(2) أی تقسیم البدعة إلى محمودة ومذمومة
(3) الاعتصام 1/191

من قبیل قوله تعالى (( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البیت أو اعتمر فلا جناح علیه أن یطوف بهما ))، فالصفا والمروة عنوانان خاصان لا یصدقان إلا على مصداق واحد، وهما الجبلان الموجودان بحذاء المسجد الحرام، ولیس لهما مصداق آخر کما هو واضح، فلا یکون هناک فرد آخر للسعی إلا بینهما .
ثانیاً : أن یکون العنوان المأخوذ فی لسان الدلیل خاص أیضاً لکنه یتحقق بمصادیق کثیرة ولیس منحصراً فی فرد ومصداق واحد .
 کقوله تعالى (( خلق الإنسان من سلالة من طین )) ، فهذا العنوان المأخوذ فی لسان الآیة وهو (( الإنسان )) عنوان خاص تحت مصادیق متعددة، فزید إنسان، وعمرو إنسان، وخالد إنسان ، وعبدالله إنسان ، وقاسم إنسان ، عبدالرحمن إنسان ، کلها تشترک فی حکم واحد وهو الخلق من طین، وهذا الحکم تشترک کل المصدایق الموجودة سواء الموجودة قبل نزول الآیة أو فی وقت نزولها أو بعد ذلک إلى یوم القیامة، فکلما تحقق الإنسان فی أی زمان ومکان نحکم علیه أنه خلق من طین، ولا یختص هذا الحکم بالمصداق الذی کان موجودا حین نزول الآیة وهذا واضح .
ثالثاً: أن یکون العنوان المأخوذ فی لسان الدلیل عام تندرج تحت عنوانین کثیرة، وتحت هذه العنوانین أفراد ومصادیق متعددة .
کقوله صلى الله علیه وآله: کل مسکر حرام ، وما أسکر کثیره فقلیله حرام .
فعنوان المسکر تحت عدة عنواین وکذلک عنوان الخمر، وقد جاء عنه صلى الله علیه وآله أنه قال : (( الخمر من خمسة ، العصیر من الکرم، والنقیع الزبیب، والمتبع من العسل، المزر من الشعیر، والنبیذ من التمر )) ، وقال أیضاً: (( أیها الناس إن من العنب خمراً، ألا أیها الناس ! أنهاکم عن کل مسکر ))
فعنوان المسکر تندرج تحت عنواین کثیرة، بعضها قد تحقق فی عصر الرسول صلى الله علیه وآله وعهد الصحابة والتابعین وحکم علیه بالحرمة ، إستنادا لا إنطباق هذا العنوان العام علیه ، والحکم علیه بذلک ونسبته إلى الشریعة لیس من البدعة کما هو أوضح من أن یخفى .
ولتوضیح ذلک بالمثال المنطقی نقول: تارةً نحکم على الفرد وأخرى نحکم على النوع وثالثة نحکم على الجنس .
ومثال الأول:زید إنسان، فحکمنا على زید أنه إنسان وهو عنوان خاص لا یصدق إلا على فرد واحد.
ومثال الثانی: الإنسان ناطق فأصله فحکمنا على الإنسان وهو یصدق على أفراد کثیرة، ولا یختص بزید وعمر أو بمن کان فی السابق والآن بل یعم کل فرد فی زمان ومکان، وعلیه یمکن أن نقول بأن زید ناطق وعمر ناطق وخالد ناطق، ویصح الحمل.
ومثال الثالث: الحیوان متحرک بالإرادة، فحکمنا على الحیوان بأنه متحرک الإرادة، وهو عنوان عام تندرج تحته عناوین کثیرة، فیندرج تحته عنوان الأنسان والبقر والغنم والأسد والفیل وما أشبه ذلک من أنواع الحیوانات، فیصح أن نحمل (( متحرک بالإرادة )) علیها، فنقول: الإنسان متحرک بالإرادة، والبقر متحرک  بالإرادة, وهکذا بقیة العناوین المندرجة تحت الحیوان، وهذه العناوین
أیضاً تندرج تحتها أفراد کثیرة ومتعددة، فیندرج تحت عنوان الإنسان زید وعمرو، وعلیه یصح أن نحمل علیه (( متحرک بالإرادة )) فنقول زید متحرک بالإرادة، وعمرو متحرک بالإرادة ویصح الحمل.
فالحکم إن کان للنوع یشمل جمیع الأفراد، ویکون جمیع الأفراد لهم ذلک الحکم، وکذلک إذا کان للجنس، فیشمل جمیع الأنواع التی تحته وأفرادها .
فالخلاصة : لیس الدلیل الشرعی على أی حکم من الأحکام مختص بالنمط الأول فقط بل یعمّ النمط الثانی والثالث، فلکی یخرج الحکم عن الابتداع یکفی أن یکون مشمولاً ومندرجاً تحت عنوان عام شرعی، فیستثنى من البدعة ما ورد فی دلیل خاص وکذلک فی دلیل عام .
وسر شمولیة الشریعة لکلّ زمان ومکان ولکلّ المستجدات تکمن فی العناوین العامة التی تشمل جمیع مرافق الحیاة وجمیع ما یستجد لبنی البشر، ولو کان الدلیل الشرعی هو خصوص النمط الأول لانتهت الأحکام الشرعیة بانتهاء موضوعاتها، ولما کانت شریعة خاتم الأنبیاء هی الخاتمة والدائمة إلى یوم القیامة، وسیأتی بیان آخر أیضاً فترتقب .
قال المولى المجلسی: فإنها ـ أی البدعة ـ تطلق فی الشرع على قولٍ أو فعل أو رأی قرر فی الدین، ولم یرد فیه من الشارع شیء، لا خصوصاً ولا عموماً، ومثل هذا لا یکون إلا حراماً، أو افتراء على الله ورسوله (1).
وقد مر کلام إبن حجر والشاطبی وغیرهما أن تحقق البدعة إنما یحصل إذا لا أصل فی الشریعة یدل علیه، والعموم والإطلاق من الأدلة اللفظیة فی الشریعة کما هو محقق فی علم الأصول فراجع .
تطبیقات وأمثلة :
الأول : مساعدة الفقراء والمحتاجین من المستحبات المؤکدة فی الشریعة الإسلامیة، والآیات والروایات فی فضلها وثوابها کثیرة جداً تفوق حد الإحصاء، وهی عنوان عام ینطبق على مصادیق کثیرة تختلف باختلاف الزمان والمکان والأحوال ومن مصادیقها :
1/ البحث لهم عن عمل .

مرآة العقول: ج1/193
2/ التصدق علیهم عن عمل .
3/ حث الناس على معونتهم ومساعدتهم والاهتمام بهم.
ولایفرق فی مصادیقها بین کونها معهودة فی زمن رسول الله صلى الله علیه وإله والصحابة والتابعین أم کونها من الأمور المستحدثة إذا اندرجت تحت عنوان (( مساعدة الفقراء )) .
کما أنه من مصادیق مساعدة الفقراء التصدق علیهم بالأموال المغصوبة، فمن تصدق على الفقیر بالمال المغصوب، ینطبق علیه عنوانان: مساعدة الفقراء، والتصرف بالمال المغصوب، والأول مستحب والثانی حرام، ففی مثل هذه الحالة لا یمکن أن نحکم على المتصدق بالمال المغصوب بالجواز والإستحباب، إذ یتصادم مع حرمة التصرف فی أمول الآخرین بلا إذنٍ منهم، والإستحباب لا یزاحم ولا ینسخ الحرمة، نعم الاستحباب ینسخ ویزاحم الکراهة (1) والإباحة .
وعلیه فالشیء المحرم وإن انطبق علیه عدة عناوین مستحبة لا یمکن أن یخرج من حکم الحرمة إلى حکم الاستحباب والجواز، بل لا یخرج إلى حکم الکراهة، فإن العناوین المستحبة  إن اجتمع العنوان المحرم فی مصداق ما لا تخفف من درجة الحرمة وشدتها، فإذا صدق على فعل ما أن إعانة للفقراء واحترام للعلماء وطاعة للوالدین وما شابه ذلک من عناوین حکمها الاستحباب، وصدق أیضاً مع ذلک عنوان محرم، فالحکم بالحرمة تبعاً لهذا العنوان الأخیر هو الحاکم والناسخ.
الثانی : التشبه بالکفار من المحرمات الشرعیة، ولیس له مصداق معین، فقد یکون زیاً معیناً تشبهاً بالکفار فی زمن الرسول والصحابة والتابعین، لکنه فی هذه الأزمنة لا
یکون تشبهاً بهم، فحکمه الإباحة والحلیة لعدم اندراجه تحت التشبه بالکفار, وقد یکون بالعکس.
(1) فی بعض الموارد، فیما إذا کان الإستحباب أقوى مصلحة من الکراهة، أما إذا کانت الکراهة شدیدة فد لا یقوى الإستحباب على دفعة إلا إذا کان استحبابا مؤکداً جداً .




وأوضح مثال على ذلک (( ربطة العنق )) فإن بعض الفقهاء فی الزمان السابق لا یجوز لبسها لحرمة التشبه بالکفار، أما حالها الیوم فإنها لا تعد من التشبه بالکفار، إذا أغلب المسلمین یلبسونها فد خرجت من تحت عنوان (( التشبه بالکفار )) ولذا حکم بعض الفقهاء بجوازها لخروجها عن کونها تشبهاً بالکفار (1) .

 (1) هذا إذا لم یُجز حرمتها لخصوصیة لهذا اللباس الخاص کما تشیر إلیه بعض الروایات فراجع

الثالث : تشبه النساء بالرجال وبالعکس من المحرمات الشرعیة ، وهو یختلف من زمان إلى آخر ومن مکان لآخر کما لایخفى ، فقد یکون لباسا عند العرب من التشبه بالنساء ، ولکنه لیس کذلک عند الروم ، وقد یکون العکس ، وهکذا باختلاف الزمان والمکان .
    فإذا اندرج الفعل من کونه تشبه بالنساء أو بالرجال فی المحیط الذی یعیش فیه الإنسان فهو حرام ، وانه کان فی محیط ومجتمع آخر لا یُعد أنه تشبه بالنساء  أو الرجال .
الرابع : احترام العلماء من المستحبات الشرعیة المؤکدة ، وله مصادیق کثیرة جدا ، تختلف باختلاف الزمان والمکان والأحوال ، فإذا صدق على الفعل أنه احترام للعلم والعلماء فهو مستحب لاندراجه تحت العنوان المستحب لدى الشریعة .
    ومثله احترام الوالدین وبقیة بنی البشر ، فقد یکون فعلا معیناً یعدّ عند عرف ومجتمع خاص احترام للعلماء ، وبینما یعدّ عند مجتمع آخر تنقیص للعلماء ، فیکون حکمه عند المجتمع الأول الاستحباب وعند المجتمع الثانی الکراهة أو الحرمة ، مع أن العمل واحد لکل الاعتبار اختلف وباختلافه یتغیر الحکم .
الأحکام التابعة للعناوین
وخلاصة قد قرر فی علم الأصول عند الکل أن الأحکام الشرعیة تابعة للعناوین ، فإذا صدق على هذا السائل أنه خمر حرُم ، وإن لم یصدق علیه  انه خمر فلا یترتب حکم الخمر علیه ، فالحکم ینتفی بانتفاء الاسم والعنوان ، وإلیه أشار الصادق علیه السلام فی من سأله عن رجل ابتاع عصیراً فحسبه السلطان حتى صار خمراً فجعله صاحبه خلاً ، قال :( إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس به )).
    فلا یخلو فعل من الأفعال من عنوان واسم خاص ، ومنه یتفرع علیه الحکم والعقاب والثواب ، فقد یتحقق ضرب الیتیم خارجا ، فتارة یکون حراما وأخرى یکون مکروها وثالثة یکون مباحا ورابعة یکون واجبا وخامسة یکون مستحبا ، تختلف الأحکام باختلاف الحالات والعناوین مع أن الضرب واحد .
فإذا ضرب الیتیم بنیّة التشفی والانتقام کان حکمه الحرمة ن وإذا ضربه للتأدیب فحکمه الاستحباب ، وإذا ضربه للأمر بالمعروف والنهی عن المنکر فحکمه الوجوب وهلم جرا ، یختلف الحکم والثواب والعقاب باختلاف العنوان الذی تعنون به الفعل .
توارد العناوین
وقد تتوارد عدة عناوین على فعل واحد ، وهو لیس بقلیل فی الفقه ، فلا یخلو باب من الأبواب الفقهیة إلا ونجد عدة من الموارد هناک فعلاً واحداً تتوارد علیه عدة من العناوین والأسماء .
مثال ذلک : حینما یتصدق الإنسان على الفقیر بأمر والده ،فیصدق على هذا العمل له طاعة للوالدین وانه مساعدة للفقیر وکلاهما مرغوبان لدى الشریعة ، فیثاب ثوابین الأول على طاعة والدیه والثانی لمساعدته للفقراء والمحتاجین ، إذ أن هذا الفعل وان کان واحدا فی الخارج لکنه یندرج تحت عنوانین فیکون عصفورین بحجر واحد فی الخارج لکنه یندرج تحت عنوانین فیکون عصفورین بحجر واحد کما فی المثل .
ومثال آخر : الزنا والعیاذ بالله فی المسجد ، فیه عنوانان ، الأول: انتهاک حرمة المسجد ، والثانی :  الزنا المحرّم ، فعلیه عقابان ،  الأول : لانتهاکه حرمة المسجد وهو حرام شرعا ، والثانی : لحرمة الزنا .
ومثال ثالث : قد حرر فی الفقه أن الحیوانات السبعیة کالأسود والذئاب والضباع وما أشبه ذلک من حیوانات مفترسة محرّمة الأکل ، وقد ذُکر أیضا أن الأسماک البحریة کلها حلال إلا مالم یکن علیه فلس (قشر ) ، فإذا رأینا بعض الأسماک البحریة لها قشر ولکنها سبعیة مفترسة کالقرش مثلا (1) ، فیصدق على هذا الحیوان أنه سمک له قشر وانه من السباع فیکون حکمه الحرمة لاندراجه تحت عنوان (( السبع )) .
والأمثلة فی ذلک کثیرة جداً ، فتارة تتحد العناوین فی الحکم ، وأخرى تختلف من حیث الحکم .

إذا قیل له قشر ، ولیس بمحقق .



فمن نذر أن یصلی صلاة الصبح قبل طلوع الشمس ، انعقد نذره فإذا لم یصلها قبل ذلک الظرف فان علیه عقابین ، ترکه للصلاة فی وقتها ونکثه للنذر .
    والدخول فی دار مغصوبة أمر محرم ، وإنقاذ النفس المحترمة أمر واجب فی الشریعة ، فإذا کان التواصل لإنقاذ هذه النفس المحترمة یمر عبر الدخول والتصرف فی هذه الدار المغصوبة ، یتوارد عنوانان على هذا الفعل وهو إنقاذ النفس المحترمة والتصرف فی المغصوب ، فیقدم أقواهما ملاکاً و أهمیة ، للمزید راجع علم أصول الفقه .
    الرجوع إلى أصل المطلب
إذا عرفت ذلک نأتی إلى محل کلامنا ، فهل الشعائر الحسینیة وإقامة المآتم على الحسین علیه السلام وعلى بقیة أهلا البیت علیهم أفضل الصلاة والسلام تندرج تحت تعبیر آخر هل هناک عنوان عام یمکن أن یشمل جمیع الشعائر الحسینیة ویخرجها من حیّز الابتداع إلى دائرة السّنة والشرعیة أم لا یوجد ؟
     والجواب نحن من خلال جولة سریعة على الصحاح الستة وبقیة المسانید والمعاجم والسنن والتواریخ وکتب الرجال التی تروی وتنقل سیرة وسنة الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله ،یمکن أن نستحصل على عنوان عام شرعی من سنة الرسول
الأکرم صلى الله علیه وآله تندرج فیه جمیع الشعائر الحسینیة فخرجها من دائرة الابتداع إلى دائرة السّنة الشرعیة .
وهذا  العنوانُ المستحصلُ هُوَ
((أن الحزن على الحُسین مستحب وراجحٌ شرعاً ))
والدلیل علیه عدة من النصوص والروایات المستفیضة بل المتواترة التی تحکی ذلک عن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله ، نقتصر على جلة منها .
1/ الامام أحمد : بسند حسن عن عبد الله بن نجی عن أبیه أنه سار مع الامام علی علی علیه السلام وکان صاحب مطهرته ، فلما حاذى نینوى وهو منطلق إلى صفین فنادى علی علیه السلام : أصبر أبا عبد الله بشط الفرات ، قلت : وماذا ؟ قال : دخلت على النبی صلى الله علیه وآله ذات یوم وعیناه تفیضان ، قلت : یا نبی الله أغضبک أحد ما شأن عینیک تفیضان ؟ قال : بل قام من عندی جبرئیل قبل ، فحدثنی أن الحسین یقتل بشط الفرات ، قال :فقال : هل لک إلى أن تشمک من تربته ؟ قال : قلت : نعم ، فمد یده فقبض قبضة من تراب فأعطانیها فلم ملک عینیّ أن فاضتا (1) .
2/ الامام أحمد : بسند صحیح عمار عن ابن عباس قال : رأیت النبی صلى الله علیه وآله فیما یرى النائم بنصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بیده قارورة من دم فقلت : بأبی أنت وأمی یا رسول الله ما هذا ؟ قال : هذا دم الحسین وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ الیوم ، فأحصینا الیوم فوجدوه قتل فی ذلک الیوم (1) .


والهندی فی کنز العمال ج 16/279 ، والحافظ الکنجی فی کفایة الطالب بسنده عن الطبرانی وقال : هکذا أخرجه الطبرانی فی معجمه الکبیر فی ترجمته .
2/ وهو ثمة بن سلمى ذکر حدیثه ابن حجر فی تهذیب التهذیب عن المروزی بسند متصل ج 2/348 ، ورواه ابن أبى جرادة فی تاریخ حلب وابن عساکر فی تاریخ دمشق والمزی فی تهذیب  الکمال ج 6/410 عن ابن سعد والدارقطنی .
3/ وشبیه بن مخرمة ، رواه عنه ابن عساکر بسندین و أورده ابن منظور فی مختصره ج 6/147 .
4/ والاصبغ بن نباته ، ذکر حدیثه السیوطی فی الخصائص الکبرى ج 2/126 نقلا عن أبی نعیم .
5/ وهانی بن هانی : رواه ابن أبی جرادة فی تاریخ حلب ج 6/2603 ، وابن عساکر .
6/ وعن رجل من بنی ضبة أصحاب الجمل ، أورده عنه ابن حجر فی المطالب العالیة ج 4/4517 .
7/ وعامر الشعبی ، أورده ابن حجر فی الصواعق 191 وقال رواه أحمد مختصراً ، فلت وأخرجه ابن سعد بسنده عنه فی ترجمة الحسن علیه السلام فی القسم غیر المطبوع من الطبقات ، وغیره .
المسند ج 1/242 ، قی طبعة شاکر 4/26 ، ورواه أیضا فی فضائل الصحابة رقم 1380 و 1381 ، وصححها محقق الکتاب ورواه الحاکم والذهبی التخلیص 4/397 وصححاه على شرط مسلم ، وأورده ابن کثیر فی البدایة والنهایة 8/200 وقال : إسناده قوی ، وفی مجمع الزوائد 9/194 قال : رواه أحمد والطبرانی ورجال أحمد رجال الصحیح وراجع تاریخ بغداد 1/142 ودلائل النبوة للبهیقی 6/471 وأسد الغبة 2/23 والإصابة 1/335 ، وغیرهم .
وأورده ابن کثیر فی البدایة والنهایة 8/200 بسند آخر عن أبی الدنیا عن علی بن زید عن ابن عباس .




3/ الترمذی : بسنده عن رزین قال : حدثتنی سلمى ، قالت : دخلت على أم سلمة وهی تبکی ، فقلت : ما یبکیک ؟ قالت : رأیت رسول الله صلى الله علیه وآله – تعنی فی المنام – وعلى رأسه ولحیته التراب ، فقلت : مالک یا رسول الله ؟ قال : شهدت قتل الحسین آنفا (1) .
4/ ابن سعد : بسنده عن المقبری عن عائشة ، قالت : بینا رسول الله صلى الله علیه وآله راقد إذ جاء الحسین یحبو إلیه فنحیته عنه ثم قمت لبعض أمری ، فدنا منه فاستیقظ یبکی ، فقلت : ما یبکیک ؟ قال : أن جبریل أرانی التربة التی یقتل علیها الحسین ، فاشتد غضب الله على من یسفک دمه فإذا فیها قبضة من بطحاء ، فقال : یا عائشة والذی نفسی بیده انه لیحزننی ، فمن من أمتی یقتل حسیناً بعدی (2) .


صحیح الترمذی : ج 13/193 ، وأخرجه الحاکم فی المستدرک :ج 4/19 ، والبغوی فی مصابیح السّنة وابن الأثیر فی أسد الغابة وابن عساکر فی تاریخه وابن کثیر فی البدایة والنهایة وابن حجر فی تهذیب التهذیب وغیرهم .
(2) کنز العمال 12/127 عن ابن سعد ، ورواه ابن عساکر عن ابن سعد ، ورواه الدارقطنی فی العلل بسنده



5/ الإمام أحمد : بسند صحیح عن عائشة أو أم سلمة : أن النبی صلى الله علیه وآله قال لا حدهما : لقد دخل علیّ البیت ملک لم یدخل علیّ قبلها ، فقال لی : أن ابنک هذا حسین مقتول وإن شئت أریتک من تربة الأرض التی یقتل بها ، قال : فأخرج تربة حمراء (1) .
6/ ابن أبی شیبة : بسند حسن عن صالح بن أربد النخعی قال : قالت أم سلمة : دخل الحسین على النبی صلى الله علیه وآله شیئاً یقلبه وهو نائم على بطنه ، فقلت یا رسول الله تطلعن فرأیتک تقلب شیئاً فی کفک والصبی نائم على بطنک ودموعک تسیل ، فقال : إن جبریل أتانی بالتربة التی یقتل علیها ، وأخبرنی أن أمتی یقتلونه (2) .
7/ الطبرانی : وعن أبی امامه قال رسول الله صلى الله علیه وآله لنسائه : لا تبکوا هذا الصبی یعنی حسیناً ، قال وکان یوم أم سلمة فنزل جبرئیل فدخل رسول الله صلى الله علیه وآله الداخل ، فقال لام سلمة : لا تدعی أحداً أن یدخل علی :


المسند : ج 6/294 ، ونقله عنه الهیثمی فی مجمع الزوائد وفال رجاله رجال الصحیح .
المصنف 15/97 رقم 19213 ، والحدیث رواه الطبرانی فی المعجم الکبیر 2820 بسندین ، والبهیقی فی دلائل النبوة 6/468 ، وابن حجر فی المطالب العالیة 4/73 .



فجاءه الحسین علیه السلام فلما نظر إلى النبی صلى الله علیه وآله فی البیت أراد أن یدخل فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت تناغیه وتسکنه فلما اشتد فی البکاء خلت عنه فدخل حتى جلس فی حجر النبی صلى الله علیه وآله ، فقال جبرئیل للنبی صلى الله علیه أن أمتک ستقتل ابنک هذا ، فقال النبی صلى الله علیه وآله یقتلونه وهم مؤمنون بی ، قال : نعم / فتناول جبرئیل تربة فقال : بمکان کذا وکذا ، فخرج رسول الله قد احتضن حسیناً کاسف البال مغموما البال فظنت أم سلمة أنه غضب من دخول الصبی علیه ، فقالت : یا نبی الله جعلت لک الفداء أنک قلت فخلیت عنه ، فلم یرد علیها ، فخرج إلى أصحابه وهم جلوس فقال : إن أمتی یقتلون هذا ، وفی القوم أبوبکر وعمر وکانا أجرأ القوم علیه ، فقالا : یا نبی الله وهم مؤمنون ؟ قال : نعم وهذه تربته وأراهم إیاها (1) .
8/ الحاکم : بسنده عن أبى عمار شداد بن عبد الله عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله صلى الله علیه وآله فقالت : یا رسول الله إنی رأیت حلماً منکراً اللیلة ، قال : وما

مجمع الزوائد 9/189 وقال : رواه الطبرانی ورجاله موثقون وفی بعضهم ضعف ، و أورده الذهبی عن الطبرانی فی تاریخ الإسلام ج3/10 وسیرة أعلام النبلاء ج 3/194 .





هو ؟ قالت : إنه شدید ، قال : وما هو ؟ قالت : رأیت کأن قطعة من جسدک قطعت ووضعت فی حجری ، فقال رسول الله صلى الله علیه وآله : رأیت خیراً تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فیکون فی حجرک ، فولدت فاطمة الحسین فکان فی حجری کما قال رسول الله  صلى الله علیه وآله فدخلت یوما إلى رسول الله صلى الله علیه وآله تریقان من الدموع ، قلت : یا نبی الله بأبی أنت وأمی مالک ؟ قال : أتانی جبرائیل علیه الصلاة والسلام فأخبرنی أن أمتی ستقتل ابنی هذا ؟ فقال : نعم وأتانی بتربة من تربته حمراء (1) .
9/ الطبرانی والبهیقی : بسندها عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أم سلمة قالت : کان النبی صلى الله علیه وآله یبکی ، فقلت : والله ما علمت به حتى دخل ، فقال النبی صلى الله علیه وآله : إن جبرئیل کان معنا فی البیت فقال : أتحبه ؟ فقلت : أما من


المستدرک على الصحیحین 3/176 وقال : هذا صحیح على شرط الشیخین ولم یخرجاه ، ورواه مختصرا بسند آخر ، ونقله ابن کثیر فی البدایة ج 6/230 عن البهیقی عن الحاکم وغیره .





حب الدنیا فنعم ، فقال : إن أمتک ستقتل هذا بأرض یقال لها کربلاء ، فتناول جبریل من ترابها فأراه النبی صلى الله علیه وآله ، فلما أحیط بالحسین حین قتل ، قال : ما اسم هذه الأرض ؟ قالوا أرض کربلاء ، قال : صدق رسول الله صلى الله علیه وآله أرض کرب وبلاء (1) .
10 / الطبرانی : بسنده عن أبی وایل شقیق بن سلمة عن أم سلمة قالت : کان الحسن والحسین علیهما السلام یلعبان بین یدی النبی صلى الله علیه وآله فی بیتی فنزل جبریل علیه السلام فقال : یامحمد إن أمتک تقتل ابنک هذا من بعدک فأومأ بیده إلى الحسین ، فبکى رسول الله صلى الله علیه وآله وضمه إلى صدره ، ثم قال رسول الله صلى الله علیه وآله ودیعة عندک هذه التربة ، فشمها رسول الله صلى الله علیه وآله وقال : ریح کرب وبلاء ، قالت : و قال : رسول الله صلى الله علیه وآله : یا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمی أن ابنی قد قتل ، قال : فجعلتها أ م سلمة قی قارورة ، ثم جعلت تنظر إلیها کل یوم ، وتقول : إنّ یوماً تحّولین دماً لیوم عظیم (2) ؟
11/ الامام أحمد : بسند صحیح عن ثابت عن انس بن مالک :


أورده فی کنز العمال ج 16/339 نقلا عن البهیقی والطبرانی وأبی نعیم ، ورواه ابن أبى جرادة فی تاریخ حلب بعدة أسانید ج 6/2597 .
مجمع الزوائد ج 9/189.

أن ملک المطر استأذن ربه أن یأتی النبی صلى الله علیه وآله ، فأذن له فقال لام سلمة : املکی علینا الباب لا یدخل علینا أحد قال : وجاء الحسین لیدخل فمنعته فوثب فدخل فجعل یقعد على ظهر النبی صلى الله علیه وآله وعلى منکبه وعلى عاتقه ، قال : فقال الملک للنبی صلى الله علیه وآله : أتحبه ؟ قال : نعم ، قال : أما إن أمتک ستقتله ، وإن شئت أریتک المکان الذی یقتل فیه فضرب بیده فجاء بطینة حمراء فأخذتها أم سلمة فصرّتها فی خمارها ، قال : قال : ثابت : بلغنا أنها کربلا (1) .
12/ الحاکم : بسند صحیح عن عبد الله بن وهب بن زمعه قال : اخبرانی أم سلمة رضی الله عنها : أن رسول الله صلى الله علیه وآله اضطجع ذات لیلة للنوم فاستیقظ وهو خاثر (2) ثم اضطجع فرقد ثم استیقظ وهو خاثر دون ما رأیت به المرة الأولى ثم اضطجع فاستیقظ  وفی یده تربة حمراء یقبلها (3) ، فقلت : ما هذه التربة یا رسول الله ؟ قال : اخبرنی جبریل علیه السلام أن


المسند ج 3/242 ، ج 4/265 نوروه أبو یعلی أبو حاتم البغوی وغیرهم .
قال ابن الأثیر فی النهایة : أصبح رسول الله خاثر النفس ، أی ثقیل النفس غیر طیب ولا نشیط .
وبه اقتدى المؤمنون بتقبیل وتقدیر واحترام هذه التربة الطاهرة ، أما سر إهداء هذه التربة من قبل جبرئیل علیه السلام وغیره من الملائکة المقربین للرسول الأکرم صلى الله علیه وآله فهو موکول لأحادیث أهل البیت علیهم السلام .



هذا – الحسین – یقتل بأرض العرق ، فقلت لجبریل : أرنی الأرض التی یقتل بها ، فهذه تربتها )) قال : هذا حدیث صحیح على شرط الشیخین ولم یخرجاه (1) .
13/ الطبرانی : بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أن معاذ بن جبل أخبره قال : خرج علینا رسول الله صلى الله علیه وآله متغیر اللون ، فقلت : أنا محمد أوتیت فواتح الکلام وخواتمه فأطیعونی ما دمت بین أظهرکم ، وإذا ذهب بی فعلیکم بکتاب الله احلوا حلاله وحرموا حرامه ….أمسک یا معاذ و أحص : قال : فلما بلغت خمسة قال : یزید لا یبارک الله فی یزید ، ثم ذرفت عیناه ، فقال : نُعی إلی الحسین ، وأتیت بتربته وأُخبرت بقاتله ، والذی نفسی بیده لا یقتل بین ظهرانی قوم لا یمنعوه إلا خالف الله بین صورهم وقلوبهم وسلط علیهم شرارهم وألبسهم شیعاً …… (2)

المستدرک 4/398 ، ورواه الطبرانی عن بکر بن سهل الدمیاطی عن جعفر بن مسافر عن أبی فدیک عن موسى بن یعقوب ن ورواه البیهقی فی الدلائل عن الحاکم والقاضی والمقری وأخرجه الحافظ ابن عساکر بعدة أسانید ، ورواه الذهبی فی سیرة أعلام النبلاء ج 3/194 عن الحاکم وقال رواه إبراهیم بن طهمان بن عباد بن إسحاق عن هاشم ونقله فی تاریخ الإسلام ج 3/10 عنه ، و أورده الهندی فی کنز العمال ج 13/111 نقلا عن ابن سعد .
المعجم الکبیر ج 20/38 مطبعة الأمة ببغداد ، ولیس فی السند من یتوقف فیه إلا ابن لهیعة إذ قیل أنه بعد احتراق کتبه لا یحتج به ، فالحدیث مع النزل یکون بمرتبة الحسن .



قلت : والأخبار بقتل علیه السلام وبکاء الرسول صلى الله علیه والصحابة علیه عند مولده وبعده وعند قتله من المتوترات التی لا مجال فیها للشک و التردد ، وما ذکرناه فیه الکفایة .
خلاصة مفاد الروایات
ومن عموم الروایات نستتحصل مایلی : جواز بل استحبابا الحزن والبکاء على الحسین علیه السلام فی یوم مقتله : وکلما رأى الإنسان تربته الطهارة التی شملها الرسول صلى الله علیه وآله وفی بعض الروایات قبلها وشمها (1)، بل کلما تذکر الحسین علیه السلام ، وکلما رأى ما یذکّره به ، وکلما حل فی کربلاء اقتداءً بعلی علیه السلام .


الحسن .
روى ابن أبى جرادة فی تاریخ حلب ج 6/2567 بسند متصل إلى هشام بن محمد قال : لما أجری الماء على قبر الحسین نضب بعد أربعین یوما وامتحى أثر القبر ، فجاء أعرابی من بنی أسد ، فجعل قبضة قبضة ویشمه حتى وقع على قبر الحسین وبکى ، وقال بأبی وأمی ما کان أطببک وأطیب تربتک میّتا ، ثم بکى وأنشأ یقول :
أرادوا لیخفوا قبره عن عدوه                                فطیب تراب دلّ على القبر





قلت : وکیف لا تکون تربته طیبة وطاهرة وقد شمها وقلبها سر العالمین صلى الله علیه وآله ، والذی عفى قبره من الخلفاء العباسیین هو المتوکل العابسی المعبّر عنه فی بعض الکلمات المغلوطة بناصر السنّة .


فالخلاصة : أن هذا العنوان العام وهو (( الحزن على الحسین )) مستفاد من فعل الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله ، فتارة بکى الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله ، وأخرى تغیر لونه لهذه الفاجعة ، وثالثة اغبر وجهه ، ورابعة اغتم ، وخامسة فاضت عیناه الطاهرتان بالدموع .
کما یستفاد هذا العنوان من مجموعة من الأمور التی حدثت بعد مقتله علیه أفضل الصلاة والسلام وفیها یتجلى غضب الله عز وجل لهذه الحادثة العظیمة ، وهی :
أولا : بکاء واحمرارا السماء .
1/أبو العرب : بسنده عن عمار بن  أبی عمار عن ابن عباس قال : إنما حدثت هذه الحمرة التی فی السماء حین قتل الحسین . (1).
2/ الطبرانی : بسنده عن علی بن مسهر حدثتنی جدتی أم حکیم قالت : قتل الحسین بن علی علیه السلام وأنا یومئذ جویریة ، فمکث السماء أیاما مثل العلقة (2).
3/ وعنه : بسنده عن عیسى بن الحارث الکندی قال : لما قتل الحسین رضی الله عنه ، مکثنا سبعة أیام صلینا العصر نظرنا


المحن : 40.
مجمع الزوائد ج 9/196 ثم قال : ورجاله رجال الصحیح ، ورواه البهیقی فی دلائل النبوة ج 6/472 ، وأورده السیوطی فی الخصائص الکبرى ج 2/127 .



إلى الشمس على أطراف الحیطان کأنها الملاحف المعصفرة ، ونظرنا إلى الکواکب یضرب بعضها بعضاً (1) .
4/ البهیقی : بسنده عن نضرة الازدیة قالت : لما قتل الحسین بن علی أمطرت السماء دما فأصبحت وکل شیء ملآن دماً (2).
5/ المزی : بسنده عن خلف بن خلیفة عن أبیه قال : لما قتل الحسین اسودت السماء أظهرت الکواکب نهاراً حتى رأیت الجوزاء عند العصر وسقط التراب الأحمر (3).
6/ سبط ابن الجوزی : بسنده عن هلال بن ذکوان قال : لما قتل الحسین مکثنا شهرین أو ثلاثة کأنما لطّخت الحیطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس (4)


مجمع الزوائد ج 9/197، تهذیب الکمال ج 6/423 ، تاریخ الإسلام للذهبی ج 2/348 ، سیرة أعلام النبلاء ج 3/210 ، تاریخ الخلفاء :80 .
دلائل النبوة ج 6/458 ، ورواه ابن حبان بسنده عن العباس بن إسماعیل مولى بن هاشم عن مسلم بن إبراهیم راجع الثقات ج 5/487 وجامع فهارس الثقات لابن حبان صفحة 77 ورواه ابن عساکر ولخص سنده ابن منظور فی مختصر تاریخ دمشق ج 7/ 149 ورواه عن مسلم المزی فی تهذیب الکمال ج 6/433 .
تهذیب الکمال ج 6/432 ، و أخرجه ابن عساکر فی تاریخه ولخص السند ابن منظور فی المختصر ج 7/149.
تذکرة الخواص :284 ، البدایة والنهایة لابن کثیر ج 8/171 ، الکامل فی التاریخ لابن الأثیر ج 3/301 ، وأخبار الدول : 109 .

7/ ابن أبى جرادة : عنه بسند متصل : لما قتل الحسین مطرنا مطراً بقی أثره فی ثیابنا مثل الدم (1) .
8/ المزی : بسنده عن جعفر بن سلیمان قال حدثتنی خالتی أم سالم قالت : لما قتل الحسین بن علی مطرنا مطراً کالدم على البیوت والجدر ، قال : وبلغنی أنه کان بخراسان و الشام والکوفة (2)
9/ ابن کثیر : قال ابن أبى حاتم : حدثنا علی بن الحسین حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو زنیج حدثنا جریر عن یزید بن أبى زیاد قال : لما قتل الحسین بن علی رضی الله عنهما احمرت آفاق السماء أربعة أشهر ، قال یزید : واحمرارها بکائها :: وهکذا قال السدی وقال عطاء الخراسانی : بکائها أ، تحمر أطرافها (3) .
10/ الذهبی : روی م طریق المدائنی عن علی بن مدرک عن جده الأسود بن قیس قال : احمّرت آفاق السماء بعد قتل الحسین


تاریخ حلب ج 6/2649
 تهذیب الکمال ج 6/433 ، رواه ابن أبى جرادة ج 6/2635 بسند متصل عن خالد عن جعفر .
تفسیر القرآن ج 9/162 المطبوع بهامش فتح البیان ، وتهذیب ج 2/353 ،
وسیرة أعلام النبلاء ج 3/311 ، وتاریخ الإسلام ج 2/348 والمحاسن والمساوئ 62 .



ستة أشهر یرى فیها کالدم ، فحدثت بذلک شریکا فقال لی : ما انتو من الأسود ؟ فقلت : هو جدی أبو أمی ، فقال : أما والله إن کان لصدوق (1)
11/ الطبرانی : بسنده عن جمیل بن زید قال : لما قتل الحسین احمرت السماء ، قلت أی شیء یقول ؟ فقال : أن الکاذب منافق إن السماء احمرت حین قتل (2)
12/ وعنه : بسنده عن محمد بن سیرین قال : لم یکن فی المساء حمرة حتى قتل الحسین (3) .
13/ ابن عساکر : عن داود بن أبى هند عن ابن سیرین قال : لم تبک السماء على أحد بعد یحیى بن زکریا إلا على الحسین بن علی (4) .
14/ ابن کثیر : قال ابن أبى حاتم حدثنا علی بن الحسین حدثنا عبد السلام بن عاصم حدثنا إسحاق بن إسماعیل حدثنا

تاریخ الإسلام ج 2/348 ، سیرة أعلام النبلاء ج 3/ 210 ، مجمع الزوائد ج 9/ 197 ، والحدیث فی تهذیب الکمال 6/432 عن علی بن مدرک …..وفی ذیله أم والله إن کان لصدوق الحدیث عظیم الأمانة مکرما للضیف .
مجمع الزوائد ج9/197 .
مجمع الزوائد ج 7/197 ، تاریخ الإسلام ج 2:348 ، سیرة أعلام النبلاء ج 3/21 ، ورواه ابن أبى جرادة فی تاریخ حلب ج 6/ 2639 بسننده عن ابن عون عن ابن سیرین : لم نکن نرى هذه الحمرة فی  السماء حتى قتل الحسین بن علی .
ورواه ابن أبى جرادة فی تاریخ حلب ج 6/2634 .


المستورد بن سابق عن عبید المکتب عن إبراهیم قال : ما بکت السماء منذ کانت الدنیا الأعلى اثنین ، قلت لعبید : ألیس السماء والأرض تبکی على المؤمن ؟ قال : ذلک مقامه حیث یصعد عمله ، قال : وتدری ما بکاء السماء ؟ قلت : لا ، قال : تحمّر  وتصیر وردة کالدهان ، إن یحی بن زکریا علیه الصلاة والسلام لما قتل احمرت السماء وقطرت دماً ، وإن الحسین بن علی رضی الله عنهما لما  قتل احمرت السماء (1).
15/ ابن أبى جرادة : بسند متصل عن إبراهیم النخعی : لما قتل الحسین احمرت السماء من أقطارها ، ثم لم تزل حتى تقطرت فقطرت دماً (2).
16/ وعنه : بسند متصل عن مسعدة عن جابر عن  قرط بن عبد الله قال : مطرت ذات یوم بنصف النهار ، فأصابت ثوبی فإذا دم ، فذهبت بالإبل  الوادی فإذا دم ، فلم تشرب قتل الحسین رحمة الله علیه (3).
17/ ابن حبان : عن حماد بن سلمة وابن علیة عن سلیم القاص أبو إبراهیم قال : مطرنا یوما  قتل الحسین دماً(4).
قال أبو الفرج الجوزی : لما کان الغضبان یحمرّ وجهه عند الغضب


تفسیر ابن کثیر ج9/162 .
بغیة الطلب فی تاریخ حلب ج6/2639 .
تاریخ حلب ج6/2630
الثقات ج4/329


الغضب فیستدل بذلک على غضبه وانه أمارة السخط ، فالحق سبحاه لیس بجسم فأظهر تأثیر غضبه على من قتل الحسین علیه السلام بحمرة الأفق وذلک دلیل على عظم الجنایة .
الثانی : کسوف الشمس .
قال الطبرانی : بسنده عن أبى قبیل قال : لما قتل الحسین بن علی رضی الله عنه انکسف الشمس کسفة حتى بدت الکواکب نصف النهار حتى ظننا أنها هی (1).
الثالث : مارفح حجر إلا وجد تحته دم عبیط .
قال الکنجی الشافعی : قرأت على الحافظ یوسف بن خلیل بحلب اخبرنا عبد الله بن کارة اخبرنا محمد بن عبد الباقی اخبرنا أبو محمد الجواهری أخبرنا الحارث بن أبی أسامة اخبرنا محمد بن سعد اخبرنا محمد بن عمر حدثنی عمر بن محمد بن عمر بن علی عن أبیه : قال : أرسل عبد الملک إلى ابن رأس الجالوت فقال : هل کان فی قتل الحسین علیه السلام علامة ؟ قال : ما کشف یومئذ حج إلا وجد تحته دم عبیط (2)

مجمع الزوائد ج 9/197 ، تهذیب الکمال ج 6/433 ، الصواعق المحرقة 116 ، ولیس فی السند من یتوقف فیه إلا ابن هلیعة فالحدیث فی مرتبة الحسن .
کفایة الطالب 433 ثم قال : رواه کاتب الواقدی فی کتابه ، و اخرجه محدث الشام فی کتابه و أخرجه الطبرانی بطرق شتى ، والروایة فی تاریخ الإسلام ج2/349 ، تفسیر ابن کثیر ج9/162


الطبرانی : بسنده عن ابن جریح عن ابن شهاب قال : مارفع بالشام حجر یوم قتل الحسین بن علی إلا عن دم .
وروى بسنده عن الزهری قال : قلت : لم ترفع حصاة ببیت المقدس إلا وجد تحتها دم عبیط ، فقال لی عبد الملک : إنی وإیاک فی هذا الحدیث لقرینان (1) .
وقال السیوطی : اخرج البیهقی عن أم حبان قالت : یوم قتل الحسین أظلمت علینا ثلاثة ولم یمسّ منا  أحد زعفرانهم شیئا فجعله عل وجهه إلا احترق ، ولم یقلب حجر ببیت المقدس إلا وجد تحته دم عبیط (2) .


مجمع الزوائد ج 9/ 196 ثم قال : ورجاله ثقاة ، قلت : وقد رواه عن الزهری منهم محمد بن عبد الله بن سعید بن العاص وابوبکر الهذلی اخرج حدیثهما الطبرانی وابن أبی جرادة ، ومعمر کما فی دلائل النبوة ج9/471 وتاریخ حلب ج 6/ 2637 وتهذیب الکمال ج 6/434 وتهذیب التهذیب ج 2/145 بسند صحیح ، وعباردة بن بشر وعمر بن قیس روى حدیثهما بسند متصل ابن عبد ربه فی العقد الفرید ج2/220 ، والبصری بن یحیى روى حدیثهما بسند متصل أبو العرب فی  المحن صفحة 40 ، وغیرهم .
الخصائص الکبرى ج 2/126 ، ورواه الخوارزمی فی مقتل الحسین بسند ه عن یعقوب بن سفیان عن أیوب بن محمد الرقی عن سلام بن سلیمان الثقفی عن زید بن عمر الکندی عن أم حبان ، ورواه ابن أبی جرادة فی تاریخ حلب ج 6/2637 والمزی فی تهذیب الکمال ج 6/434 بسند متصل .



وقال الحافظ المزی : حدثنا أحمد بن محمد بن یحیى بن سعید حدثنا زید بن الحباب حدثنی أبو یحیى مهدی بن میمون قال : سمعت مروان مولى هند بن المهلب ، قال حدثنی بواب عبید الله بن زیاد أنه لما جیء برأس الحسین فوضع بین یدیه رأیت حیطان دار الإمارة تسایل دماً (1) .
فعن ابن مسعود قال : ما رأینا رسول الله صلى الله علیه وآله باکیاً أشد من بکائه على حمزة ، وضعة فی القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب –أی شهق – حتى بلغ به الغشی یقول : یاعم رسول الله یا حمزة یا أسد الله وأسد رسوله یا حمزة یاذاب عن وجه رسول الله .
کان کلما بکت صفیة یبکی وإذا نشجت ینشج ، وحینما

تهذیب الکمال ج 6/434 ، ورواه ابن أبی جرادة فی تاریخ حلب ج 6/2639 وابن عساکر .




رجع من أحد بکت نساء الأنصار على من قتل رجالهن ، فقال  بأبی وأمی متأثرا بالموقف ولکن حمزة لا بواکی له ، ثم نام فانتبه وهن یبکین حمزة فهن إلى  الیوم – کما فی الحدیث – إذا بکین یندبن حمزة (1) .
وکذلک حینما استشهد جعفر الطیار جاء النبی صلى الله علیه وآله إلى امرأته أسماء بنت عمیس رضی الله عنها وعزاها بجعفر ، ودخلت فاطمة علیها  السلام وهی تبکی وتقول : واعماه ، فقال النبی صلى الله علیه وآله لما رأى جبهة حمزة بکى ولما رأى ما مثل به شهق (2) .


وهذه العادة إلى الآن ساریة فی البقیة من الأنصار فی المدین ، فإذا توفی میت لهم ، بکت النساء أولا على حمزة ثم على میّتهن ، لقوله صلى الله علیه وآله (( ولکن حمزة لا بواکی له ))
المستدرک على  الصحیحین : ج 2/130 ، ج 3/ 218 ، 219 الاستیعاب : 1/374 . ومجمع الزوائد : ج 6/ 118 وقال رواه البزاز وفیه عبد الله بن محمد بن عقیل وهو حسن الحدیث على ضعفه .
قلت : بل لا عف فیه ، قال الترمذی ویعقوب : صدوق ، وقال العجلی تابعی جائز الحدیث ، وقال العقیلی  : کان فاضلا خیرا موصوفا بالعبادة ، وقال الساجی : کان من أهل الصدق ، وقال ابن عبد البر : هو أوثق من کل من  تکلم فیه ، وعن ابن بشر : خیر فاضل عابد ، وقال أحمد شاکر فی تعلیقة على مسند الامام أحمد ج1/رقم 6: ثقة لا حجة لمن تکلم فیه ، راجع تهذیب التهذیب ج 6/3 وتهذیب الکمال ج 16/54.



وبما أن الحسین علیه السلام وهو وأخوه سیدا شباب أهل الجنة فالحزن والبکاء علیهما لا بد أن یتلاءم مع هذه المرتبة التی تفوق کل المراتب .
کما أنه یکفی فی رجحان البکاء والحزن العمیق على العظماء من أهل بیت النبی  صلى الله علیه وآله واستحبابه قوله تعلى حکایة عن حال یعقوب (وتولى عنهم وقال یا أسفی على یوسف وابیضت عیناه (1) من الحزن فهو کظیم ) فلقد ذهبت عیناه علیه السلام حزنا على یوسف ، فلیس کل ضرر ینتج من الحزن والبکاء على الأنبیاء وأولاد الأنبیاء محرم فی الشریعة ، وإلا کان یعقوب – وهو من أعاظم الأنبیاء وساداتهم – قد ألقى أقر فعله واستصوبه ، وأجاب أخوة یوسف حینما قالوا له ( تالله تفتؤا تذکر یوسف حتى تکون حرضاً أو تکن حرضا أو تکون من الهالکین ) على لسان یعقوب ( إنما أشکو بثی وحزنی إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون ).
فالخلاصة : أن الحزن على الحسین مهما کان مصداقه لیس من البدعة وانما هو من السنة لکونه مستندا لفعل الرسول صلى الله علیه وآله وفعله سنّة ، وتحقق هذا الفعل من الرسول الأکرم لیس


ابیضاض العین هو العمى ، وقد یکون مصاحبا لضعف البصر ، لکن من قوله تعلى ( اذهبوا بقمیصی هذا فالقوه على وجه أبی یأتی بصیرا ) یعرف أن یعقوب علیه السلام قد ذهب بصره حزنا على یوسف على الظاهر ، فتأمل .



فقط فی مناسبة أو مناسبتین ، بل فی مناسبات کثیرة ومتعددة ولعل مالم یصل إلینا أکثر ممّا وصل .
تقییم الشعائر
إذا عرفت ذلک : نأتی إلى جمیع الممارسات والشعائر التی یقوم بها المؤمنون وتقع مصداقا للحزن على الحسین ، ونقیّمها بعیداً عن هذا العنوان وانطابقه علیها ونذکر حکمها الأولى – من إباحة واستحباب أو کراهة أو حرمة أو وجوب – ثم بعد ذلک ننظر إلیها بما هی مصداق من مصادیق الحزن على الحسین علیه السلام .
فمن أهم تلک الممارسات والطقوس ما یلی
1/ البکاء علیه عند ذکره وسماع مصیبته أو مصیبة أولاده وأصحابه وماجرى على أهل بیته وبنات الرسالة .
فإن البکاء بما هو بعیدا عن کونه بکاءاً الرسول على حمزة وجعفر .
ففی البکاء على الحسین علیه السلام یجتمع عنوانان : عنوان البکاء على المؤمن ، وعنوان البکاء علیه السلام ، والأول دلیله الأدلة العامة فی استحباب البکاء على موتى المؤمنین ، والثانی دلیله الأدلة الخاصة الواردة فی بکاء الرسول

صلى الله علیه وأله وعلى الحسین وأصحاب الحسین .
وعلیه : فالباکی على الحسین له ثوابان ، ثواب البکاء على المؤمنین لکون الحسین علیه السلام سید المؤمنین ، وثواب الحزن على الحسین علیه لسلام المتحقق بالبکاء .
2/ رثاء الحسین وأهل لیته وأصحابه علیهم السلام .
لا ریب  فی جواز رثاء موتى المؤمنین بذکر محاسنهم الباعث على تحریک الحزن وتهیج اللوعة ، وقد رثى الصحابة بعضهم بعضا وأقرّ الرسول  الأکرم صلى الله علیه وآله ما قاموا به من رثاء متضمنا لمدح المیت وذکر محاسنه ، وأشعار الرثاء الصادرة عن الصحابة کثیرة جداً ویکفیک ما ذکره ابن عبد ربه فی العقد الفرید (19 وابن البر فی الاستیعاب وابن الأثیر فی أسد الغابة وابن حجر فی الإصابة (2) .
وحینما توفى رسول الله صلى الله علیه وآله رثاه جمع من الصحابة ، وعلى رأسهم سیدة النساء فاطمة الزهراء علیها السلام بقولها :

ماذا على من شم تربة أحمد                             أن لا یشم مدى الزمان غوالیا
صبت علی مصائب لو أنها                                صبت على الأیام صرن لیالیا


فی أول الجزء الثانی .
فی الترجمة : سید الشهداء حمزة ، وعثمان بن مظعون ، وسعد بن معاذ ، وجعفر بن أبی طالب ، وغیرهم من الصحابة .
فالرثاء بما هو هو لا إشکال فی جوازه ، حتى لو کان المرثی کافراً ، فلقد أکثرت المرأة الصالحة الخنساء رثاء أخویها – صخراً ومعاویة – وهما کافران وأبدعت فی مدائح صخر وأهاجت علیه لواعج الأحزان ، فلم نجد من الصحابة والتابعین والعلماء والمحدثین من أنکر علیها ذلک ، ونسبها إلى التقصیر والعاطفة ، بل عادة ما کانوا یتمثلون بأبیات رثائها  حین فقدهم لحبیب وصدیق .
فإذا کان الرثاء مباحاً وکان رثاءاً للحسین علیه السلام فیقع مصداقا لعنوان (( الحزن علیه )) وهو عنوان استحبابه الشرعی ، فیکون رثاء الحسین من المستحبات الشرعی .

3/ إطعام الطعام والتصدق عن الحسین (ع) .
وهما من المستحبات المؤکدة فی الشریعة المقدسة ، سواء کان ذک من أجل الحسین أو أی شخص آخر ، فإن الله سبحانه وتعالى یحب إطعام الطعام والتصدق على المحتاجین ، حتى إن عبد الله بن جذعان والذی مات کافراً أخف أهل النار عذابا ، لانه کما قال الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله یحب إطعام الطعام وإفشاء السلام .
فإطعام الطعام من أجل الحسین ، والتصدق على المحتاجین بدلا عن الحسین مما لا خلاف أصلا فی رجحانه واستحبابه ، ولذا کما فی بعض الروایات الصحیحة أن الرسول

الأکرم صلى الله علیه وآله یشتری الشاة ثم یذبحها ویقطع أعضاءها ویبعثها صدقة لخدیجة علیها السلام (1) .
وعن عائشة قالت : أن رجلا أتى النبی صلى الله علیه وآله فقال  یا رسول الله إن أمی افتلتت نفسها ولم توص أفلها أجر إن تصدقت عنها ؟ فقال صلى الله علیه وآله : نعم (2) .
4/ لبس السواد .
فإنه وإن قیل بکراهة الثیاب السوداء إلا أن ذلک مختص بلباس المصلی لا مطلقا ، نعم ذهب جماعة من الفقهاء بکراهیته مطلقا ، فعلى القول بإباحته فی غیر الصلاة فإن تعنون بعنوان أنه حزناً عل الحسین علیه السلام خرج من حکم الإباحة إلى حکم الاستحباب .
وعلى القول بکون لبس السواد مطلقا مکروه سواء فی حالة الصلاة أم غیرها ، فإذا لبس الإنسان السواد ، واستحباب الحزن على الحسین ، وهاذان العنوانان اجتمعا على مصداق واحد وهی الثیاب السوداء التی لبسها المعزی ، فیحصل هنا تزاحم بین ملاک الاستحباب ، فیقدم أقواهما ملاکاً


صحیح البخاری ومسلم فی فضائل خدیجة .
صحیح مسلم : أبواب الزکاة ، باب وصول ثواب الصدقة عن المیت .




ومنفعة ومصلحة ، ولا ریب أن الحزن على الحسین کاسح ومقدم على ملاک الکراهة من لبس الثیاب السوداء .
    نعم على القول بکون لبس السواد من المحرمات – ولا قائل به – فإن ملاک الاستحباب لا یزاحم ملاک الحرمة ، بل ملاک الحرمة متقدم رتبة علیه ، فلا یمکن الحکم بالاستحباب ، ولذا کما تقدم بیانه لا یمکن أن نتوصل إلى مساعدة الفقراء والمحتاجین بالتصدق علیهم بالأموال المغصوبة ، وإن تصدقن بها فلا ثواب بل هناک عقاب للتصرف فی أموال الآخرین بلا أذن منهم .
5/ اللطم على الصدور .
وهو من الشعائر الرائجة المنتشرة فی أکثر البلدان الإسلامیة ولدى مقیمی العزاء على السبط الشهید ، فهو من أبرز مصادیق الحزن على الحسین علیه السلام ، واللطم عل الصدر أو على أی عضو من البدن إذا لم یؤدی إلى الضرر المحرم لا أحد یقول بحرمته ، هو بمثابة التصفیق فی مناسبات الفرح والنجاح ، فحکمه الاولی هو الإباحة ، ولیس هناک دلیل شرعی یدل على حرمته ، نعم قد یکون مکروهاً أو مستحباً ، إذا انطبقت وصدقت علیه عناوین أخرى عامة حکمها الکراهیة أو الاستحباب .
     وحیث أن لطم المؤمن صدره بعنوان الحزن على الحسین

وهذا العنوان کما تقدم إثابته راجح ومستحب شرعاً – فیکون اللطم على الصدور حزنا على الحسین راجحاً شرعاً ن ولا محذور من حرمة أو کراهیة فیه ، فاللطم على الصدور بهذا الدافع مصداق من مصادیق  الحزن على الحسین علیه السلام فهو من السنة لا البدعة ، فهذا الفعل لا یختلف عن البکاء أو الشهیق ، وقد تقدم فی الروایات بکاء الرسول صلى الله علیه وآله وشهیقه على عمّه حمزة ورؤیة  أم سلمة له شاحب اللون  منکسف البال أشعث أغبر یوم قتل علیه السام .
     وغیره من مصادیق متعددة ومتکثرة تختلف باختلاف الزمان والمکان والإمکانیات والأخوال والتقلبات ، ولکی نعطی ضابطة کلیه فی المقام لشرعیة کل مصداق من مصادیق الحزن على الحسین – علاوة على ما تقدم – نقول :
الشروط الواجبة فی الشعائر
یشترط على نحو  الوجوب فی المصداق المعنون بعنوان الحزن على الحسین ما یلی :
1/ أن لا یکون بما هو هو محرماً شرعاً .
2/ أن لا یکون بما هو هو مکروها کراهة مشدّدة وغلیظة .
3/ أن لا یعرض علیه عنوان آخر محرم أو مکروه کراهة شدیدة ، کعروض الضرر المحرم علیه .

الضرر والشعائر الحسینیة
    فإذا کان  الفعل الذی وقع مصداقا من مصادیق الحزن على الحسین ینشأ منه الضرر المحرّم فهذا العنوان یکون ناسخاً ولاغیاً للاستحباب المرتجى من الحزن على الحسین بهذا المصداق .
    وبین الأعلام خلاف فی تحدید دائرة الضرر المحرم ضیقاً وسعة ، ولبیان ذلک بشکل مقتضب ومختصر نقول :
لا یخلو الضرر والإیذاء من أن یکون دائمیا أو مؤقتا ، والأول تارة یتحقق بقتل النفس ، وأخرى بقطع عضوٍ  من أعضاء البدن کالید والرجل مثلا ، وثالثة بتعطیل قوة من قوى النفس عبر أتلاف بعض السمع وما أشبه ذلک من هذه الأمور الثلاثة المذکورة :
قتل النفس ، وقطع الأعضاء المهمة فی البدن ، وتعطیل الحواس الخمس وهی : النظر والسمع والشم واللمس والتذوق ، إذا کان ذلک بشکل دائمی .
    أما إذا کان الضرر والإتلاف والإیذاء مؤقت ، فوقع الخلاف بین الأعلام ، والمذهب المنصور بینهم هو عدم الحرمة مطلقاً (1)  ، لعدم الدلیل علیه ، بل الدلیل قائم على جوازه فی مواضع کثیرة من الفقه ، کجواز الختان بالنسبة للجواری ، وثقب الآذان والأنوف ، والوشم ، والحجامة ، والأقدام على الضرر الیسیر لجلب المنفعة الجسیمة والکبیرة (2) .
مضافا إلى جواز بل استحباب تورم الأقدام من کثرة القیام للصلاة ، وتحمل الجوع ثلاثة أیام اقتداء بأهل البیت علیهم  السلام ، وعدم المحذور بل استحباب کثر السجود المفضی إلى حصول فی الجباة ، وإیذاء النفس بالحج ما شیاً إلى بیت الله الحرام وما شابه ذلک  .


وفرّق بعض الفقهاء بین ما إذا کان الضرر معتدا به فی نظر العرف وبین ما إذا لم یکن کذلک ، فیحرم الأول دون الثانی .
فإذا تجسد فی بعض الشعائر والممارسات الحسینیة ضرر یسیر به عرفاً ، وولدت هذه الشعائر بعض المنافع العظیمة کترسیخ قضیة ومظلومیة الحسین علیه السلام لدى النفوس ، واعطاء صورة حیة عن مأساة کربلا وأوجدت ما یبقى هذا الضرر الیسیر لا دلیل من العقل و الشرع والعرف على حرمته ، بل العقل حاکم بحسن ارتکابه جلبا للمنفعة العظیمة المرتقبة ، ولذ نجد بأن یعقوب علیه السلام وهو من أعاظم الأنبیاء جلبا للمنفعة العظیمة المرتقبة ، ولذا نجد بأن یعقوب علیه السلام وهو من أعاظم الأنبیاء بکى على فراق ولده یوسف علیه السلام بل یفهم من بعض الآیات أن ما فعله یعقوب هو الموح إلیه وذلک من قوله تعالى ( إنما أشکو بثی وحزنی إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) ومنشأ ذلک أن البکاء على یوسف کان ذا منفعة عظیمة تفوق ذهاب بصر یعقوب علیه السلام أو ضعفه

حکم واحتمال الضرر
واحتمال الضرر من بعض المصادیق التی تقع عنواناً للحزن على الحسین علیه السلام ، لا یستلزم تحریمها ، إذ أن الأعلام أفتوا بجواز الألعاب الریاضیة الکثیرة التی لا تخلوا من الضرر فی الجملة ، فلا بد أن یکون الضرر عقلائیا حتى یحکم بحرمة مقدمته والمنع من الأقدام على ذلک المصداق والعمل الذی ینشأ منه الضرر المعتد غالبا ، إذا الضرر الیسیر والنادر فی حکم العدم عند العرف والعقلاء .
نعم البحث عن مصادیق وأعمال مشروعة وخالیة عن الضرر وجعلها مصداقا للشعائر الحسینیة هو الذی ینبغی على المؤمنین الذهاب وراء تحقیقه وستأتی الإشارة إلیه .
الاستهزاء والشعائر الحسینیة
أما الاستهزاء ببعض الممارسات الحسینی فلیس منشأ لوجوب ترکها ، إذ العمل الخاص الذی یقوم به المؤمنون ویندرج تحت عنوان الشعائر الحسینیة تارة یراد منه تعمیق القضیة والمصیبة لدى نفوس من یؤمن بالحسین وبمدرسته ، وأخرى لجلب وکسب وتعریف الناس والعالم قضیة الحسین علیه السلام .
    فإن کان المقصود منه هو الممارسة الخاصة وطلب الثواب ، فإن الاستهزاء لا یغیّر هذا العنوان إلى عنوان محرم ، فإن العالم بأکمله یستهزئ من المسلمین بطوافهم حول البیت وسعیهم بین الصفا والمروة ، ورمیه للجمار وما شابه ذلک من عبادات وممارسات وقعت محلا للاستهزاء عنوان مغیر ومزاحم للعناوین الشرعیة فی العبادات الخاصة والممارسات الفردیة .

اللهم إلا إذا استلزم ذلک توهیناً للمذهب واستخفافاً بکافة المؤمنین ، فان ذلک یقتضی ترک هذه الشعیرة وان کانت مباحة أو مستحبة.
وإن کان المقصود منه هو  کسب تأیید الأطراف الأخرى ، فإذا وقع محلا للاستهزاء ، فینبغی رفع الید عنه ، لا لحرمته ، وإما لعدم ترتب الأثر المرتجى منه ، إذ الهدف فی الشعیرة والممارسة الخاصة هو کسب الطرف الآخر ، فإذا وقع محلا للاستهزاء فلا یمکن أن یکون طریقا لکسب فترکه من باب عدم ترتب الأثر والهدف المتوخی منه .
العسر والحرج والشعائر
وأما العسر والحرج فانه کذلک لا یرفع الجواز ولا استحباب ، وإنما یرفع الإلزام ، فیکون مورد هذه القاعدة فی الواجبات والمحرمات ، فإذا نشأ الضرر من الوضوء الواجب فإن هذه القاعدة ترفع وجوبه ، لا أصل مشروعیته ، فإذا کان الوضوء عسریاً وینشأ منه الحرج ، وتوضأ الإنسان وتحمل ذلک الحرج لا یحکم ببطلان
وضوئه ، بخلاف ما إذا استلزم من الوضوء الضرر ، فان الفتوى قائمة على بطلان الوضوء العسری .
وإذا استلزم عدم خلق اللحیة عسرا وحرجا على المکلف فان قاعدة (( العسر والحرج )) ترفع الحرمة وتجوز حلق اللحیة ، فمورد هذه الأحکام الإلزامیة من وجوب وحمة ، لا الأحکام غیر الإلزامیة ، فان فی بعض الصلوات والصیام والأعمال المستحبة مشقة عظیمة لا یتحملها إلا ذو حظٍ عظیم ، فلا تجری هذه القاعدة فی الأمور المستحبة ، وبما أن الشعائر الحسینیة  من الأمور المستحبة فالاستدلال بهذه القاعدة لاثبات عدم شرعیة بعض الممارسات الحسینیة غفلة واضحة لدى المتمرّس والمتأمل .
تنبیه : مما لا ریب فیه الأنظار والإفهام تختلف فی تشخیص المصادیق من حیث أستلزمها للعسر والحرج والضرر ، فقد یکون مصداق ما – بنظر بعض المؤمنین – مستلزم للضرر أو هتک للمذهب وتضعیف واستخفاف بالمؤمنین ، وبنظر آخرین لا یقتضی ذلک ، وقد یکون مصداق آخر لا یقتضی ذلک ، وقد یکون مصداق آخر بنظر البعض لا فائدة دنیویة وأخرویة منه ، وبنظر آخرین فیه الفائدتین معاً.
وعلیه : فإذا اختلفت الأنظار فی تشخیص وتقییم الممارسات والطقوس التی تقع مصداقا للحزن على الحسین بین کونها ضروریة أو لا ،
کونها مستلزمة لهتک المذهب أو  لا ، أو کونها مما لا فائدة مطلقاً منها أو فیها فائدة ، وأدى ذلک إلى التشاجر والتباغض والتدابیر ، فإن الحکمة تقتضی الإقلاع عن هذا المصداق الذی وقع محل خلافٍ فی تشخیصه وأدى إلى التفرقة بین المؤمنین ، إذ ملاک الوحدة والمصلحة الحاصلة منها تفوق کل المصالح .
نعم : إذا أصر بعض المؤمنین على هذه الممارسة التی وقعت محلاً للخلاف والشجار ، وکان منشأ هذا الإصرار هو الحب الحسینی لا شیء آخر ، فإن الحکمة تقضی لمن یرى بأنها ضروریة أو تستوجب هتکا للمذهب عدم تعمیق الخلاف والتفرقة بین المؤمنین .
إذ الاختلاف فی تشخیص الموضوعات والمصادیق لا یخلو منه الأبواب الفقهیة ، وتشخیص کل مکلف هو الذی ینبغی أن یتبع ، لا تشخیص الآخرین إذا کان مخالفاً لتشخیصه ، عصمنا الله وإیاکم من الزلل والخطأ ، وجمعنا تحت رایة الحق والإیمان ووحدة الله بین قلوبنا وانفسنا .
الشروط المستحبة فی الشعائر
کما یحبذ أن یکون العمل المتخذ مصداقاً للحزن على الحسین علیه السلام – بعد إباحته بما هو وعدم کراهیته المشددة – تضمنه مایلی :أن یکون مما له ثمرة دنیویة ودینیة ، کإلقاء المحاضرات الدینیة وإطعام الطعام والتبرع بالدم للمحتاجین ، وإسقاط الدیون والتصافی بین أفراد المجتمع ، بحیث تکون العشرة الأولى من المحرم موسماً للتسامح والتساعد بین المؤمنین والشقاقات الجانبیة ، وبث الوحدة وروح الأخوة ، کل ذلک باسم الحسین ومن أجل الحسین وفی سبیل الحسین ، ولا ریب أن هذا ما یریده الحسین علیه السلام .
ویتفرع على ذل : ترک کل مصداق لا فائدة منه کونه من الشعائر الحسینیة ، والبحث عن مصادیق تتلاءم مع مقتضیات الزمان والمکان والتحولات الاجتماعیة والثقافیة والفکریة .
مع مراعاة أن بعض الشعائر الحسینیة لا سبیل للعقل فیها ، بل العاطفة هی الحاکمة ، ولذا نجد بعض المؤمنین عاطفته لإبراز حزنه على الحسین لا تتجلى إلا فی مصداق الخاص لما استطاع أن یبرز حزنه على الحسین ، ولذا لا یحق لنا أن نمنع الآخرین من تلک الأعمال والطقوس التی یبرزون بها حزنهم على الحسین علیه السلام تبعاً لعواطفهم ، والتی لا فائدة منها غیر کونها مصداقاً للحزن على الحسین إذا لم یصاحبها حرام شرعاً .
فلکل طریقته الخاصة ، فبعض یعجبه إبراز حزنه على الحسین عن طریق البکاء ، وبعض عن طریق اللطم ، وبعض عن طریق لبس السواد ، والمنشأْ فی ذلک أن للعاطفة دور کبیر جدا فی الارتباط بالحسین علیه السلام وقضیته .
فإذا وقع بصر المؤمن على بعض الممارسات الحسینیة التی منشأها العاطفة والتی فی نظره لا فائدة دنیویة ودینیة منها غیر کونها من مصادیق الحزن على الحسین ، لا یحق له أن یعترض على ممارسیها بعدم الشرعیة والجزم بحرمتها ومن ثمّ محاربتهم وخصامهم أو إجبارهم على ترکها ، نعم غایة مایحق ویستحب له أن یبیّن لهم ماهو أکثر جدوائیة وفائدة من هذه الممارسات والطقوس .
جعلنا وإیاکم من خدمة الحین دنیاً وآخرة والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرین واللعنة على أعدائهم إلى قیام یوم  الدین ، ومن یعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب .


بشار الداود                    راضی حبیب
تم فی شهر شوال لسنة 1420
الکویت

http://alsoal.com