گلچینی از سایت های علمی ، فلسفی و عرفانی
گلچینی از سایت های علمی ، فلسفی و عرفانی

گلچینی از سایت های علمی ، فلسفی و عرفانی

الشیخ نصیر الدین الطوسی وسقوط بغداد

  

مقدّمة المرکز

لا یخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تکریس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحیح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهیمنا الرفیعة، ممّا یستدعی الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمیة التی توجد حالة من المفاعلة الدائمة بین الاُمّة وقیمها الحقّة، بشکل یتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقنی الحدیث.

وانطلاقاً من ذلک، فقد بادر مرکز الابحاث العقائدیة التابع لمکتب سماحة آیة الله العظمى السید السیستانی ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ینتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفکر الاسلامی الشیعی على أوسع نطاق ممکن.

ومن هذه المحاور: عقد الندوات العقائدیّة المختصّة، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمیة ومفکّریها المرموقین، التی تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة، حیث یجری تناولها بالعرض والنقد


الصفحة 6
والتحلیل وطرح الرأی الشیعی المختار فیها، ثم یخضع ذلک الموضوع ـ بطبیعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.

ولاجل تعمیم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طریقها إلى شبکة الانترنت العالمیة صوتاً وکتابةً.

کما یجری تکثیرها عبر التسجیل الصوتی والمرئی وتوزیعها على المراکز والمؤسسات العلمیة والشخصیات الثقافیة فی شتى أرجاء العالم.

وأخیراً، فإنّ الخطوة الثالثة تکمن فی طبعها ونشرها على شکل کراریس تحت عنوان «سلسلة الندوات العقائدیة» بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقیقیة والفنیّة اللازمة علیها.

وهذا الکرّاس الماثل بین یدی القارئ الکریم واحدٌ من السلسلة المشار إلیها.

سائلینه سبحانه وتعالى أن یناله بأحسن قبوله.

مرکز الابحاث العقائدیة
فارس الحسّون   


الصفحة 7
بسم الله الرحمن الرحیم

تمهید

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام على سیّدنا محمّد وآله الطاهرین، ولعنة الله على أعدائهم أجمعین من الاوّلین والاخرین.

سألتم عن دور الحکیم الالهی الشیخ المحقق العظیم الخواجة نصیر الدین الطوسی فی سقوط بغداد على ید هولاکو.

لانّه قد ینسب فی بعض الکتب إلى الشیخ نصیرالدین الطوسی أنّ له ضلعاً فی سقوط بغداد على ید المشرکین، وما ترتّب على هذه الحادثة من آثار سیّئة بالنسبة إلى الاسلام والمسلمین، من قتل النفوس، وتخریب البلاد، والمدارس العلمیّة، وسائر ما ترتب على هذه الحادثة العظیمة من الاثار السیّئة.


الصفحة 8

الصفحة 9

افتراء ابن تیمیة على
الشیخ نصیر الدین الطوسی

لعلّ من أشدّ الناس على الشیخ نصیر الدین الطوسی رحمه الله فی هذه القضیّة هو ابن تیمیّة، ممّا یثیر الشک ویدعو إلى البحث عمّا إذا کان السبب الاصلی لاتّهام هذا الشیخ بهذا الامر هو الاختلاف العقائدی، وما کان للشیخ نصیر الدین الطوسی من دور نشر المذهب الشیعی، ودعمه بالادلّة والبراهین، ولاسیّما بتألیفه کتاب تجرید الاعتقاد، هذا الکتاب الذی أصبح من المتون الاصلیّة والاولیّة فی الحوزات العلمیّة کلّها، وکان یدرّس وما زال هذا الکتاب یدرّس فی بعض الحوزات العلمیّة، ولذا کثرت علیه الشروح والحواشی من علماء الشیعة والسنّة، وحتّى أنّ کتاب المواقف للقاضی الایجی، وکتاب المقاصد للسعد التفتازانی، هذان الکتابان أیضاً إنّما أُلّفا نظراً إلى ما ذکره الخواجه نصیرالدین فی کتاب التجرید، ویحاولون أن یردّوا علیه آراءه وأفکاره، ولربّما


الصفحة 10
یذکرون اسمه بصراحة، وقد عثرنا على مورد فی إحدى تلک الکتب حیث جاء التصریح باسم الشیخ نصیر الدین الطوسی مع التهجّم علیه والسب له، وهو کتاب شرح المقاصد.

وأمّا ابن تیمیّة، فإنّما یتعرّض للخواجة نصیر الدین الطوسی بمناسبة أنّ العلاّمة الحلّی ـ تلمیذ الخواجة ـ ینقل عن أُستاذه استدلالاً لدعم المذهب الشیعی وإثبات عقیدة الامامیّة، على أساس حدیثین صحیحین واردین فی کتب الفریقین.

ینقل العلاّمة رحمه الله عن أُستاذه أنّه سئل عن المذهب الحقّ بعد رسول الله، فأجاب بأنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) قد أخبر فی الحدیث المتفق علیه بأنّ الاُمّة ستفترق من بعده على ثلاث وسبعین فرقة، وهذا الحدیث متّفق علیه.

قال: فمع کثرة هذه الفرق قال رسول الله: فرقة ناجیة والباقی فی النار.

ثمّ إنّ رسول الله عیّن تلک الفرقة الناجیة بقوله: «إنّما مثل أهل بیتی کمثل سفینة نوح من رکبها نجا».

وهذا الاستدلال لا یمکن لاحد أن یناقش فیه، لا فی الحدیث الاول، ولا فی الحدیث الثانی، ولا فی النتیجة المترتبة على هذین الحدیثین.


الصفحة 11
وحینئذ نرى ابن تیمیّة العاجز عن إظهار أیّ مناقشة وإبداء أیّ إیراد علمی فی مقابل هذا الاستدلال، نراه یتهجّم على الشیخ نصیرالدین، ویسبّه بما لا یتفوّه به مسلم بالنسبة الى فرد عادی من أفراد الناس.

ولا بأس بأن أقرأ لکم نصّ ما قاله ابن تیمیّة فی الشیخ نصیر الدین الطوسی:

نص ما قاله ابن تیمیّة

یقول ابن تیمیة: هذا الرجل قد اشتهر عند الخاص والعام أنّه کان وزیراً الملاحدة الباطنیة الاسماعیلیّة فی الالموت، ثمّ لمّا قدم الترک المشرکون إلى بلاد المسلمین، وجاؤوا إلى بغداد دار الخلافة، کان هذا منجّماً مشیراً لملک الترک المشرکین هولاکو، أشار علیه بقتل الخلیفة وقتل أهل العلم والدین، واستبقاء أهل الصناعات والتجارات الذین ینفعونه فی الدنیا، وأنّه استولى على الوقف الذی للمسلمین، وکان یعطی منه ما شاء الله لعلماء المشرکین وشیوخهم من البخشیة السحرة وأمثالهم.

وأنّه لمّا بنى الرصد الذی بمراغة على طریقة الصابئة المشرکین، کان أبخس الناس نصیباً منه من کان إلى أهل الملل


الصفحة 12
أقرب، وأوفرهم نصیباً من کان أبعدهم عن الملل، مثل الصابئة المشرکین ومثل المعطلة وسائر المشرکین.

ومن المشهور عنه وعن أتباعه الاستهتار بواجبات الاسلام ومحرّماته، لا یحافظون على الفرائض کالصلوات، ولا ینزعون عن محارم الله من الفواحش والخمر وغیر ذلک من المنکرات، حتّى أنّهم فی شهر رمضان یذکر منهم من إضاعة الصلوات وارتکاب الفواحش وشرب الخمور ما یعرفه أهل الخبرة بهم.

ولم یکن لهم قوّة وظهور إلاّ مع المشرکین الذین دینهم شرّ من دین الیهود والنصارى، ولهذا کان کلّما قوی الاسلام فی المغل وغیرهم من الترک ضعف أمر هؤلاء، لغرض معاداتهم للاسلام وأهله....

وبالجملة فأمر هذا الطوسی وأتباعه عند المسلمین أشهر وأعرف من أن یعرّف ویوصف.

ومع هذا فقد قیل: إنّه فی آخر عمره یحافظ على الصلوات الخمس، ویشتغل بتفسیر البغوی وبالفقه ونحو ذلک، فإن کان قد تاب من الالحاد، فالله یقبل التوبة عن عباده ویعفو عن السیّئات، والله تعالى یقول: (یَا عِبَادِی الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا


الصفحة 13
مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إنَّ اللهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً)(1) .

لکنّ ما ذکره هذا، إن کان قبل التوبة لم یقبل قوله، وإن کان بعد التوبة لم یکن قد تاب من الرفض، بل من الالحاد وحده، وعلى التقدیرین فلا یقبل قوله.

والاظهر أنّه إنّما کان یجتمع به وبأمثاله لمّا کان منجّماً للمغل المشرکین، والالحاد معروف من حاله إذ ذاک، فمن یقدح فی مثل أبی بکر وعمر وعثمان وغیرهم من السابقین الاوّلین من المهاجرین والانصار، ویطعن على مثل مالک والشافعی وأبی حنیفة وأحمد بن حنبل وأتباعهم ویعیّرهم بغلطات بعضهم فی مثل إباحة الشطرنج والغناء، کیف یلیق به أن یحتجّ لمذهبه بقول مثل هؤلاء الذین لا یؤمنون بالله ولا بالیوم الاخر، ولا یحرّمون ما حرّم الله ورسوله، ولا یدینون دین الحق، من الذین أُوتوا الکتاب حتّى یعطوا الجزیة عن ید وهم صاغرون، ویستحلّون المحرّمات المجمع على تحریمها، کالفواحش والخمر فی شهر رمضان، الذین أضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات وخرقوا سیاج الشرائع، واستخفوا بمحرّمات الدین، وسلکوا غیر طریق المؤمنین....

____________

(1) سورة الزمر: 53.


الصفحة 14
لکن هذا حال الرافضة دائماً یعادون أولیاء الله المتقین، من السابقین الاوّلین من المهاجرین والانصار والذین اتّبعوهم بإحسان، ویوالون الکفّار والمنافقین... إلى آخر کلامه(1) .

هذا جوابه على استدلال العلاّمة بکلام أُستاذه، الاستدلال الذی ذکرناه، لانّ الاستدلال قوائمه حدیث متفق علیه: هو «ستفرق أمّتی» وحدیث آخر أیضاً متّفق علیه، الحدیث الثانی یقول: لا نجاة إلاّ برکوب سفینة أهل البیت، والنتیجة واضحة.

وهذا جواب ابن تیمیّة على هذا الاستدلال !!

لکن علینا أن نبحث عن أصل المسألة التی طلبتم البحث عنها فی هذه اللّیلة.

____________

(1) منهاج السنة 3 / 445 ـ 451.


الصفحة 15

الرجوع فی قضیة سقوط بغداد
إلى مَن شهد الواقعة

فی مثل هذه القضیّة، وهی قضیّة واقعة فی القرن السابع، وفی أواسط هذا القرن، لابدّ وأنْ نرجع إلى من شهد تلک الواقعة وکان حاضراً فیها ویخبر عنها، وأیضاً إلى المؤرّخین قریبی العهد من تلک الحادثة، لا أقول نرجع إلى المؤرّخین الشیعة حتّى یقال بأنّ الشیعة یحاولون أن یبرّئوا ساحة علمائهم وکبرائهم من أیّ شیء یطعن فیهم به، وإنّما أقول نرجع إلى المؤرّخین من أهل السنّة أنفسهم.

الرجوع إلى ابن الفوطی

لعلّ خیر کتاب یمکننا الرجوع إلیه بالدرجة الاُولى کتاب الحوادث الجامعة، وهو تألیف العلاّمة ابن الفوطی.

أذکر لکم باختصار عن بعض المصادر المعتبرة ترجمة ابن


الصفحة 16
الفوطی الحنبلی البغدادی المتوفى سنة 723 هـ:

ترجم له الذهبی قائلاً: ابن الفوطی العالم البارع المتفنّن المحدّث المفید، مؤرخ الافاق، مفخر أهل العراق، کمال الدین أبوالفضائل عبدالرزاق بن أحمد بن محمّد بن أبی المعالی الشیبانی ابن الفوطی، مولده فی المحرّم سنة 642 ببغداد، وأُسر فی الوقعة وهو حَدَث ـ أُسر فی الوقعة: وقعة بغداد ـ ثمّ صار إلى أُستاذه ومعلّمه خواجة نصیر الدین الطوسی فی سنة 660، فأخذ منه علوم الاوائل، ومهر على غیره فی الادب، ومهر فی التاریخ والشعر وأیام الناس، وله النظم والنثر، والباع الاطول فی ترصیع تراجم الناس، وله ذکاء مفرط، وخط منسوب رشیق، وفضائل کثیرة، سمع الکثیر، وعنی بهذا الشأن(1) .

ویعبّر عنه صاحب فوات الوفیات ابن شاکر الکتبی، عندما یعنونه یعبّر عنه بـ: الشیخ الامام المحدّث المؤرّخ الاخباری الفیلسوف(2) .

وأمّا ابن کثیر، فیذکر ابن الفوطی فی تاریخه قائلاً: الامام المؤرّخ کمال الدین ابن الفوطی أبوالفضل عبدالرزاق، ولد سنة

____________

(1) تذکرة الحفاظ 4/1493.

(2) فوات الوفیات 2/319.


الصفحة 17
642 ببغداد، وأُسر فی واقعة التتار، ثمّ تخلّص من الاسر، فکان مشرفاً على الکتب بالمستنصریّة، وقد صنّف تأریخاً فی خمس وخمسین مجلّداً، وآخر ـ أی کتاباً آخر ـ فی نحو عشرین، وله مصنّفات کثیرة، وشعر حسن، وقد سمع الحدیث من محی الدین ابن الجوزی، وتوفی فی ثالث المحرّم فی السنة التی ذکرناها(1) .

فهذا العالم المؤرّخ، الذی شاهد القضیّة، وحضرها، وأُسر فیها، وهو إمام مؤرّخ معتمد، یذکره علماء أهل السنّة بالثناء الجمیل، ویذکرون کتبه فی التاریخ، هذا الرجل له کتاب الحوادث الجامعة، فی هذا الکتاب یتعرّض لقضیّة سقوط بغداد على ید هولاکو، ولیس لخواجة نصیرالدین اسم فی هذه القضیّة ولا ذکر أبداً، یذکرون أنّه قد ألّف کتابه هذا بعد الواقعة بسنة واحدة، أی أنّ سنة 657 تاریخ تألیف کتاب الحوادث الجامعة.

الرجوع إلى ابن الطقطقی

ثمّ بعد ابن الفوطی، نرى ابن الطقطقی المولود سنة 660 والمتوفّى سنة 709، هذا صاحب کتاب الفخری فی الاداب

____________

(1) البدایة والنهایة 14 / 106.


الصفحة 18
السلطانیّة والدول الاسلامیّة، یروی الحوادث، حوادث بغداد، بواسطة واحدة فقط، ولا ذکر فی هذا الکتاب حیث یذکر الحوادث لخواجة نصیرالدین فی القضیّة أصلاً، لا من قریب ولا من بعید.

نعم یذکر اسم الخواجة مرّةً واحدةً، حیث یبیّن دخول ابن العلقمی على هولاکو.

ابن العلقمی کان وزیر المستعصم العباسی، أصبح بعد المستعصم العباسی من الشخصیّات المرموقة فی بغداد، وینسب إلیه أیضاً من قبل بعض کتّاب السنّة ـ السابقین واللاّحقین ـ أنّ له یداً فی سقوط بغداد، لکن بحثنا الان فی خواجة نصیرالدین ولیس فی ابن العلقمی، وبإمکانکم أن ترجعوا إلى کتاب أعیان الشیعة للسیّد الامین العاملی رحمه الله یذکر هناک ما یقال عن ابن العلقمی وبراءة ساحة هذا الرجل أیضاً.

ففی کتاب الفخری فی الاداب السلطانیّة یذکر الشیخ نصیرالدین الطوسی مرّةً واحدةً بمناسبة أنّ الشیخ نصیرالدین کان واسطة فی دخول هذا الوزیر، أی ابن العلقمی على هولاکو، یقول: وکان الذی تولّى ترتیبه فی الحضرة السلطانیّة الوزیر السعید


الصفحة 19
نصیرالدین محمّد الطوسی قدّس الله روحه(1) .

الرجوع إلى أبی الفداء

ثمّ ننتقل إلى تاریخ أبی الفداء، المولود سنة 672 والمتوفى سنة 732، وهذا قریب العهد بالواقعة، لانّ الواقعة کانت سنة 656، وهذا مولود فی سنة 672، أی بعد سنوات قلیلة، ومتوفى فی سنة 732.

فنراه یذکر قضیّة فتح بغداد، واستیلاء المشرکین والتتر على بغداد، وانقراض الحکومة العبّاسیّة، یقول: فی أوّل هذه السنة ـ سنة 656 ـ قصد هولاکو ملک التتر بغداد، وملکها فی العشرین من المحرّم، وقتل الخلیفة المستعصم بالله، وسبب ذلک أنّ وزیر الخلیفة مؤیّد الدین ابن العلقمی کان رافضیّاً، وکان أهل الکرخ أیضاً روافض، فجرت فتنة بین السنّیّة والشیعة ببغداد على جاری عادتهم.

[ دائماً هذه الفتن کانت موجودة فی بغداد بین الشیعة والسنّة، منذ زمن الشیخ المفید والشیخ الطوسی، وفی بعض هذه الفتن

____________

(1) الفخری فی الاداب السلطانیة: 338.


الصفحة 20
هاجر الشیخ الطوسی من بغداد إلى النجف الاشرف وأسّس الحوزة العلمیّة، لذلک یقول: على جاری عادتهم، أی هذا شیء معتاد بینهم، محلّة الکرخ والمحلّة التی تقابلها، هؤلاء شیعة وأُولئک أهل سنّة، جرت فتنة ].

فأمر أبوبکر ابن الخلیفة ورکن الدین الدوادار [ هذا رئیس العسکر ] العسکر، فنهبوا الکرخ، وهتکوا النساء، ورکبوا منهنّ الفواحش.

فعظم ذلک على الوزیر ابن العلقمی، وکاتب التتر وأطمعهم فی ملک بغداد، وکان عسکر بغداد یبلغ مائة ألف فارس، فقطّعهم المستعصم لیحمل إلى التتر متحصل اقطاعاتهم، وصار عسکر بغداد دون عشرین ألف فارس، وأرسل ابن العلقمی إلى التتر أخاه یستدعیهم، فساروا قاصدین بغداد فی جحفل عظیم، وخرج عسکر الخلیفة لقتالهم ومقدّمهم رکن الدین الدوادار، والتقوا على مرحلتین من بغداد، واقتتلوا قتالاً شدیداً، فانهزم عسکر الخلیفة، ودخل بعضهم بغداد وسار بعضهم إلى جهة الشام.

ونزل هولاکو على بغداد من الجانب الشرقی، ونزل باجو ـ وهو مقدّم کبیر ـ فی الجانب الغربی، على قریة قبالة دار الخلافة، وخرج مؤید الدین الوزیر ابن العلقمی إلى هولاکو، فتوثّق منه


الصفحة 21
لنفسه، وعاد إلى الخلیفة المستعصم وقال: إنّ هولاکو یبقیک فی الخلافة کما فعل بسلطان الروم، فخرج إلیه المستعصم فی جمع من أکابر أصحابه، وأنزل فی خیمته، ثمّ استدعى الوزیر الفقهاء والاماثل، فاجتمع هناک جمیع سادات بغداد والمدرّسون، وکان منهم محی الدین ابن الجوزی وأولاده، وکذلک بقی یخرج إلى التتر طائفة بعد طائفة، فلمّا تکاملوا قتلهم التتر عن آخرهم، ثمّ مدّوا الجسر وعدا باجو ومن معه، وبذلوا السیف فی بغداد، وهجموا على دار الخلافة وقتلوا کلّ من کان فیها من الاشراف، ولم یسلم إلاّ من کان صغیراً، فأُخذ أسیراً، ودام القتل والنهب فی بغداد نحو أربعین یوماً، ثمّ نودی بالامان.

أمّا الخلیفة فإنّهم قتلوه، ولم یقع الاطّلاع على کیفیّة قتله، فقیل خنق، وقیل وضع فی عدل ورفسوه حتّى مات، وقیل غرق فی دجلة، والله أعلم بحقیقة ذلک، وکان المستعصم ضعیف الرأی، قد غلب علیه أُمراء دولته لسوء تدبیره، وهو آخر الخلفاء العبّاسیّین(1) .

ولا ذکر لخواجه نصیر الدین الطوسی أبداً، وأمّا ما ذکر عن ابن

____________

(1) المختصر فی أحوال البشر 3/193 ـ 194.


الصفحة 22
العلقمی ففیه نظر، فلابدّ وأنْ یحقّق عنه.

الرجوع إلى الذهبی

وأمّا الذهبی، الذهبی هو تلمیذ ابن تیمیّة وإنْ کان یخالفه فی بعض الاراء، إلاّأنّه تلمیذه، وقد لخّص کتاب منهاج السنّة أیضاً، فمن مؤلفات الذهبی منهاج الاعتدال وهو تلخیص منهاج السنّة.

یقول الذهبی فی حوادث سنة 656: کان المؤید ابن العلقمی قد کاتب التتر، وحرّضهم على قصد بغداد، لاجل ما جرى على إخوانه الرافضة من النهب والخزی.

فذکر الواقعة کما تقدّم عن أبی الفداء، ولیس فیها ذکر لنصیرالدین الطوسی أصلاً(1) .

الرجوع إلى ابن شاکر الکتبی

وصاحب فوات الوفیات ابن شاکر الکتبی المولود سنة 686، أی بعد الواقعة بثلاثین سنة، والمتوفى سنة 764، یترجم الخلیفة العبّاسی ویترجم نصیرالدین الطوسی کلیهما فی کتابه، ولا یذکر

____________

(1) العبر فی خبر من غبر 3/277.


الصفحة 23
شیئاً من دخل الخواجة فی حوادث بغداد أبداً، وبترجمة الخلیفة یقول:

کان متیناً متمسّکاً بمذهب أهل السنّة والجماعة على ما کان علیه والده وجدّه، ولم یکن على ما کانوا علیه من التیقّظ والهمّة، بل کان قلیل المعرفة والتدبیر والتیقّظ، نازل الهمّة، محبّاً للمال، مهملاً للاُمور، یتّکل فیها على غیره، ولو لم یکن فیه إلاّ ما فعله مع الملک الناصر داود فی الودیعة لکفاه ذلک عاراً وشناراً، والله لو کان الناصر من الشعراء، وقد قصده وتردّد علیه على بعد المسافة ومدحه بعدّة قصائد، کان یتعیّن علیه أن ینعم علیه بقریب من قیمة ودیعته من ماله، فقد کان فی أجداد المستعصم بالله من استفاد منه آحاد الشعراء أکثر من ذلک.

[ کأنّما کانت عنده ودیعة لشخص، وهذه الودیعة تصرّف فیها ولم یرجعها إلى صاحبها، یذکر هذه القضیّة، إلى غیر ذلک من الاُمور التی کانت تصدر عنه، ممّا لا یناسب منصب الخلافة، ولم یتخلّق بها الخلفاء قبله ].

فکانت هذه الاسباب کلّها مقدّمات لما أراد الله تعالى بالخلیفة والعراق وأهله، وإذا أراد الله تعالى أمراً هیّأ أسبابه.

[ ولم یذکر سائر أعمال هذا الخلیفة وأسلاف هذا الخلیفة، من


الصفحة 24
الخلاعة والمجون والاستهتار بالدین والسکر وشرب الخمر ومجالس اللهو واللعب، وإلى آخره، کلّ ذلک أسباب لانقراض الحکومة أیّ حکومة تکون ].

قال: واختلفوا کیف کان قتله، قیل: إنّ هولاکو لمّا ملک بغداد أمر بخنقه، وقیل رفس إلى أن مات، وقیل کذا إلى آخره والله أعلم بحقیقة الحال. وکانت واقعة بغداد وقتل الخلیفة من أعظم الوقائع(1) .

ولم یذکر شیئاً یتعلّق بالخواجة نصیرالدین الطوسی أبداً.

الرجوع إلى الصفدی

وإذا راجعتم کتاب الوافی بالوفیات للصفدی، هذا الرجل مولود فی سنة 696 أی بعد أربعین سنة من الواقعة، ومتوفى فی سنة 764.

یقول بترجمة الخلیفة: کان حلیماً کریماً، سلیم الباطن، حسن الدیانة، متمسّکاً بالسنّة، ولکنّه لم یکن کما کان علیه أبوه وجدّه، وکان الدوادار والشرابی لهم الارض، جاء هولاکو البلاد فی نحو

____________

(1) فوات الوفیات 2/230.


الصفحة 25
مائتین ألف فارس، وطلب الخلیفة وحده فطلع ومع القضاة والمدرّسون والاعیان نحو سبعمائة نفس، فلمّا وصلوا إلى الحریبة جاء الامر بحضور الخلیفة وحده، ومعه سبعة عشر نفساً، فساقوا مع الخلیفة وأنزلوا من بقی من خیلهم وضربوا رقابهم، ووقع السیف فی بغداد، وعمل القتل أربعین یوماً، وأنزلوا الخلیفة فی خیمة وحده والسبعة عشر فی خیمة أخرى، ثمّ إنّ هولاکو أحضر الخلیفة وجرت له معه ومع ابنه أبی بکر محاورات وأخرجا ورفسوهما إلى أنْ ماتا، وعفّی أثرهما(1) .

الرجوع إلى ابن خلدون

ننتقل إلى ابن خلدون، ابن خلدون متولّد فی سنة 732، ووفاته سنة 808، یذکر فی تاریخه خبر المستعصم آخر ملوک بنی العبّاس ببغداد، فلم یصف الخلیفة بما وصفه به غیره من الصفات الدنیئة الموجبة للعار والشنار، والمسببة لما وقع به وبأهل بغداد، بل وصفه بقوله: کان فقیهاً محدّثاً... ثمّ ذکر ما کان من السنّة ضدّ الشیعة فی الکرخ بأمر من الخلیفة وابنه أبی بکر ورکن الدین

____________

(1) الوافی بالوفیات 17/641.


الصفحة 26
الدوادار، ثمّ ذکر زحف هولاکو إلى العراق ودخول بغداد وقتل الخلیفة وغیره.

ولیس فی شیء ممّا ذکر ذکراً لنصیرالدین الطوسی أبداً، فلاحظوا تاریخه(1) .

الرجوع إلى السیوطی

وذکر جلال الدین السیوطی فی تاریخه تاریخ الخلفاء، السیوطی وفاته سنة 911، ذکر أخبار التتر، وورودهم إلى بغداد، وقتل الخلیفة وغیر ذلک، فی صفحات کثیرة، ولیس فیها ذکراً لنصیرالدین الطوسی أبداً(2) .

فأین ما ذکره ابن تیمیّة حول نصیرالدین الطوسی رحمه الله فیما یتعلّق بقضیّة بغداد.

الرجوع إلى أصحاب ابن تیمیة

حینئذ ننتقل إلى أصحاب ابن تیمیّة والمقرّبین منه، وهم ثلاثة: الذهبی، وابن کثیر، وابن القیّم.

____________

(1) تاریخ ابن خلدون 6/1104.

(2) تاریخ الخلفاء: 467 ـ 477.


الصفحة 27
الذهبی ذکرنا عبارته، ووجدناه لا یشیر لا من قریب ولا من بعید إلى ما ذکره ابن تیمیّة، وکذا بترجمة المستعصم إذا راجعتم سیر أعلام النبلاء حیث ذکر الواقعة ناقلاً شرحها عن جمال الدین سلیمان بن رطنین الحنبلی، والظهیر الکازرونی، وغیرهما، ولیس فی ذلک ذکراً لنصیرالدین الطوسی أبداً(1) .

أمّا ابن کثیر، ابن کثیر ولادته سنة 700 أی بعد الواقعة حدود الخمسین سنة ووفاته سنة 774، ترجم لنصیرالدین الطوسی، ولم ینسبه إلى شیء أو لم ینسب شیئاً ممّا ذکر ابن تیمیّة إلى الخواجة نصیرالدین، من الاخلال بالصلوات وشرب الخمر وارتکاب الفواحش، لم یذکر شیئاً من هذه أبداً، وإنّما ذکر ما نسب إلیه من الاشارة على هولاکو بقتل الخلیفة، بعبارة ظاهرة جدّاً فی التشکیک فی ذلک، وإلیکم نصّ ما قاله ابن کثیر فی تاریخه فی هذه القضیة:

یقول: ومن الناس من یزعم أنّه ـ الخواجه نصیرالدین ـ أشار على هولاکو خان بقتل الخلیفة، فالله أعلم.

لا یقول أکثر من هذا، ومن الناس من یزعم، والله أعلم.

ولابدّ وأنّه یقصد من الناس ابن تیمیّة.

____________

(1) سیر أعلام النبلاء 23/181.


الصفحة 28
ثمّ یقول بعد أن یذکر ذلک عن بعض الناس: وعندی أنّ هذا لا یصدر من عاقل ولا فاضل، وقد ذکره بعض البغاددة [ أی أهالی بغداد ] فأثنى علیه وقال: کان عاقلاً فاضلاً کریم الاخلاق، ودفن فی مشهد موسى بن جعفر، فی سرداب کان قد أُعدّ للخلیفة الناصر لدین الله(1) .

وهذا من جملة المواضع التی لا یوافق فیها ابن کثیر شیخه ابن تیمیّة.

یبقى ابن قیّم الجوزیّة، ابن قیّم الجوزیّة لم یتبع ابن تیمیّة فقط، بل زاد على ما قال شیخه أشیاء أُخرى أیضاً، لاحظوا عبارته بالنص عندما یذکر نصیرالدین الطوسی یقول:

نصیر الشرک والکفر والالحاد، وزیر الملاحدة النصیر الطوسی، وزیر هولاکو، شفى نفسه من أتباع الرسول وأهل دینه، فعرضهم على السیف حتّى شفى إخوانه من الملاحدة واشتفى هو، فقتل الخلیفة المستعصم والقضاة والفقهاء والمحدّثین.

[ کلمة «المحدثین» مادام هی بالنصب، لابد أنْ تقرأ الکلمة: قَتَلَ، أی قتل نصیرالدین المستعصمَ والقضاةَ والفقهاء والمحدّثین.

____________

(1) البدایة والنهایة 13/267.


الصفحة 29
اللّهمّ إلاّ أنْ نرجع الضمیر إلى هولاکو، لکن بأمر الخواجة نصیر الدین ].

واستبقى الفلاسفة والمنجّمین والطبایعیین والسحرة، ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط إلیهم، وجعلهم خاصته وأولیاءه، ونصَرَ فی کتبه قدم العالم وبطلان المعاد وإنکار صفات الربّ جلّ جلاله من علمه وقدرته وحیاته وسمعه وبصره، واتّخذ للملاحدة مدارس، ورام جعل إشارات إمام الملحدین ابن سینا مکان القرآن، فلم یقدر على ذلک فقال: هی قرآن الخواص وذلک قرآن العوام، ورام تغییر الصلاة وجعلها صلاتین، فلم یتم له الامر، وتعلّم السحر فی آخر الامر فکان ساحراً یعبد الاصنام، انتهى.

ابن تیمیّة قال: فی آخر الامر تاب نصیرالدین الطوسی، قرأنا عبارته فی أنّه فی آخر الامر تاب نصیرالدین الطوسی وکان یصلّی وتعلّم الفقه وقرأ تفسیر البغوی فی آخر عمره.

وهذا یقول: تعلّم السحر فی آخر الامر، فکان ساحراً یعبد الاصنام !!

وإلى هنا تبیّن أنّ ما ینسب سابقاً ولاحقاً إلى الخواجة نصیرالدین الطوسی لیس له سبب، سوى أنّ هذا الرجل العظیم استفاد من تلک الظروف لِصالح هذا المذهب المظلوم، وتمکّن من


الصفحة 30
تألیف کتابه تجرید الاعتقاد، وأصبح هذا الکتاب هو الکتاب الذی یدرّس فی الاوساط العلمیّة، وطرحت أفکار الامامیّة فی الاوساط العلمیّة، بعد أن لم تکن لافکار هذه الطائفة أیّة فرصة، ولم یکن لاراء هذه الطائفة أیّ مجال لان یذکر شیء منها فی المدارس العلمیّة والاوساط العلمیّة، حینئذ أصبح الاخرون عیالاً على الخواجة نصیرالدین الطوسی فی علم الکلام والعقائد، وبتبع کتاب التجرید أُلّفت کتبهم فی العقائد، وهذا ممّا یغتاظ منه القوم، فهذا کان هو السبب العمدة لانْ ینسب ما سمعتم إلى هذا الرجل العظیم.

وقد ثبت أنّ کلّ ما ینسب إلیه باطل، ولا أساس له من الصحّة، إستناداً إلى کلمات المؤرّخین من أهل السنّة أنفسهم، من ابن الفوطی الذی عاصر القضیّة وکان من الاسرى فی الواقعة، ثمّ ابن الطقطقی، ثمّ ابن کثیر، ثمّ الذهبی، والصفدی، وابن شاکر الکتبی، وغیرهم، وهؤلاء کلّهم من أهل السنّة، وهکذا أبوالفداء، ولم ننقل شیئاً لتبرئة ساحة هذا الشیخ العظیم عن أحد من علماء الشیعة.


الصفحة 31

الثناء على الشیخ نصیر الدین الطوسی

والان، لا بأس أن أذکر لکم بعض النصوص فی الثناء الجمیل على هذا الشیخ العظیم من کتب القوم.

لاحظوا عبارة ابن کثیر یقول: النصیر الطوسی محمّد بن عبدالله [ لکن والده محمّد فهو محمّد بن محمّد ] کان یقال له المولى نصیر الدین، ویقال الخواجة نصیر الدین، اشتغل فی شبیبته، وحصّل علم الاوائل جیّداً، وصنّف فی ذلک فی علم الکلام، وشرح الاشارات لابن سینا، ووزر لاصحاب قلاع الالموت من الاسماعیلیّة، ثمّ وزر لهولاکو، وکان معهم فی واقعة بغداد، ومن الناس من یزعم أنّه أشار على هولاکو بقتل الخلیفة، فالله أعلم، وعندی أنّ هذا لا یصدر من عاقل ولا فاضل... إلى آخر ما قرأناه سابقاً.

قال: وهو الذی کان قد بنى الرصد فی مراغة، ورتّب فیه الحکماء من الفلاسفة والمتکلّمین والفقهاء والمحدّثین والاطبّاء،


الصفحة 32
وغیرهم من الفضلاء، وبنى له فیه قبّة عظیمة، وجعل فیه کتباً کثیرةً جدّاً، توفی فی بغداد فی الثانی عشر من ذی الحجة من هذه السنة، وله خمس وسبعون سنة، وله شعر جیّد قویّ، وأصل اشتغاله على المعین سالم بن بدران بن علی المصری المعتزلی المتشیّع، فنزع فیه حروب کثیرة منه حتّى أفسد اعتقاده.

هذا کلّه ذکره فی ترجمة نصیرالدین الطوسی، وفیه الثناء الجمیل على علمه، إلاّ أنّه یعرّض به لاجل مذهبه(1) .

وقال الذهبی فی وفیات سنة 672: کبیر الفلاسفة خواجة نصیر الدین محمّد بن محمّد بن حسن الطوسی صاحب الرصد.

وقال أیضاً: خواجه نصیر الدین الطوسی أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن الحسن، مات فی ذی الحجّة ببغداد، وقد نیّف على الثمانین، وکان رأساً فی علم الاوائل، ذا منزلة من هولاکو(2) .

وقال أبوالفداء: وفیها ـ أی فی السنة المذکورة ـ فی یوم الاثنین (18) ذی الحجة، توفی الشیخ العلاّمة نصیر الدین الطوسی، واسمه محمّد بن محمّد الامام المشهور، وکان یخدم صاحب الالموت، ثمّ خدم هولاکو، وحظی عنده، وعمل لهولاکو

____________

(1) البدایة والنهایة 13 / 276.

(2) العبر فی خبر من غبر 3 / 326، دول الاسلام.


الصفحة 33
رصداً بمراغة وزیجاً وله مصنفات عدیدة کلّها نفیسة، منها أقلیدس یتضمّن اختلاط الاوضاع، وکتاب المجسطی، والتذکرة فی الهیئة لم یصنّف فی فنّها مثلها، وشرح الاشارات، وأجاب عن غالب إیرادات فخرالدین الرازی، وکانت ولادته فی الحادی عشر جمادى الاُولى سنة سبع وتسعین وخمسمائة، وکانت وفاته ببغداد، ودفن فی مشهد موسى الجواد(1) .

[ یعنی موسى والجواد «الواو» هذه لابدّ منها ].

وقال الصفدی: نصیرالدین الطوسی محمّد بن محمّد بن الحسن نصیر الدین الطوسی، الفیلسوف، صاحب علم الریاضی، کان رأساً فی علم الاوائل، لاسیّما فی الارصاد والمجسطی، فإنّه فاق الکبار، قرأ على المعین سالم بن بدران المعتزلی الرافضی وغیره، وکان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالیة عند هولاکو، وکان یطیع على ما یشیر علیه، والاموال فی تصریفه، وابتنى بمراغة قبّة ورصداً عظیماً، واتخذ فی ذلک خزانة عظیمة، فسیحة الارجاء وملاها من الکتب التی نهبت من بغداد والشام والجزیرة، حتّى تجمّع فیها زیادة على أربعمائة ألف مجلّد [ فأین تلک الکتب ] وأقرّ

____________

(1) المختصر فی أخبار البشر 4 / 8.


الصفحة 34
بالرصد المنجّمین والفلاسفة، وجعل لهم الاوقاف، وکان حسن الصورة، سمحاً کریماً جواداً حلیماً حسن العشرة غزیر الفضل.

حکی أنّه لمّا أراد العمل بالرصد رأى هولاکو ما یقدم علیه، فقال له: هذا العلم المتعلق بالنجوم ما فائدته، أیدفع ما قدّر أن یکون ؟ فقال: أنا أضرب لک مثلاً، یأمر القان من یطلع إلى هذا المکان، ویرمی من أعلاه طشتاً نحاساً کبیراً من غیر أن یعلم به أحد، ففعل ذلک، ولمّا وقع کان له وقعة عظیمة هائلة روّعت کلّ من هناک، وکاد بعضهم یصعق، فأمّا هو وهولاکو فإنّهما ما حصل لهما شیء لعلمهما بأنّ ذلک یقع، فقال له: هذا العلم النجومی له هذه الفائدة، یعلم المتحدّث فیه ما یحدث، فلا یحصل له من الروعة ما یحصل للذاهل الغافل عنه، فقال له: لا بأس بهذا، وأمره بالشروع فیه، إلى آخره.

ومن دهائه ما حکی: أنّه حصل لهولاکو غضب على علاء الدین الجوینی صاحب الدیوان، فأمر بقتله، فجاء أخوه إلى النصیر وذکر له، فقال النصیر... إلى آخره فسعى فی خلاص هذا الشخص.

وممّا وقف له علیه أن ورقة حضرت إلیه عن شخص من جملة ما فیها: یا کلب یابن الکلب، فکان الجواب منه أمّا قوله: یا کلب،


الصفحة 35
فلیس بصحیح، لانّ الکلب من ذوات الاربع وهو نابح طویل الاظفار، وأمّا أنا فمنتصب القائمة بادی البشرة عریض الاظْفار ناطق ضاحک، فهذه الفصول والخواص غیر تلک الفصول والخواص، وأطال فی نقض کل ما قاله ذلک القائل.

هکذا ردّ علیه بحسن طویة وتأن غیر منزعج، ولم یقل فی الجواب کلمة قبیحة.

ثمّ ذکر تصانیفه، ثمّ ذکر بعض القضایا الاُخرى(1) .

ولا أُرید أن أُطیل علیکم بقراءة کلّ ما فی کتاب الوافی بالوفیات.

ولاحظوا هذه العبارة من کلامه، أقرؤها علیکم، یقول: وکان للمسلمین به نفع خصوصاً الشیعة والعلویین والحکماء وغیرهم، وکان یبرّهم ویقضی أشغالهم ویحمی أوقاتهم، وکان مع هذا کلّه فیه تواضع وحسن ملتقى، وکان نصیر قدم من مراغة إلى بغداد، ومعه کثیر من تلامذته وأصحابه، فأقام بها مدّة أشهر ومات، ومولد النصیر بطوس سنة کذا ووفاته سنة کذا، وشیّعه صاحب الدیوان والکبار، وکانت جنازته حفلة، ودفن فی مشهد الکاظم.

____________

(1) الوافی بالوفیات 1 / 179.


الصفحة 36
وهل فی هذا النص على طوله من نقص، من طعن ؟! والوافی بالوفیات کتاب معتبر، ومؤلّفه من أهل السنّة المعروفین المشهورین المعتمدین.

وأقرأ لکم ما جاء فی فوات الوفیات یقول: الخواجة نصیر الدین الطوسی محمّد بن محمّد بن الحسن نصیر الدین، کان رأساً فی علم الاوائل، لاسیّما فی الارصاد والمجسطی، وکان یطیعه هولاکو فیما یشیر علیه، والاموال فی تصریفه.

[ هذه تقریباً عبارات الوافی بالوفیات وإلى أنْ یقول ]: وکان حسن الصورة سمحاً کریماً جواداً حلیماً حسن العشرة غزیر الفضائل جلیل القدر داهیة.

إلى أنْ ذکر تصانیفه وهی کثیرة جدّاً، وذکر کلمات بعض العلماء فی حقّه قال: ودفن فی مشهد الکاظم رحمه الله.

وکذا تجدون الثناء علیه فی النجوم الزاهرة(1) .

وکذا غیر هؤلاء من المؤلفین والمؤرخین.

فأین ما ذکره ابن تیمیّة أو ما زاد علیه تلمیذه ابن قیّم الجوزیّة ؟

والعمدة ما ذکرته لکم.

____________

(1) النجوم الزاهرة فی ملوک نصر والقاهرة 7 / 245.


الصفحة 37

خاتمة البحث

والعجیب أنّکم لو قرأتم کتب علمائنا فی التراجم وسیر العلماء وفی التواریخ، لن تجدوا لفظة واحدة من هذه الالفاظ التی تصدر من بعض هؤلاء فی حقّ علماء الشیعة، لن تجدوا لفظةً منها فى حقّ علماء السنة، فإن ذکروا شیئاً عن بعض علماء أهل السنّة، فإنّما یذکرونه بأدب ومتانة، فکیف وأن ینسبوا إلى أحد منهم ما لیس فیه، وما لا یجوز نسبته إلیه، لاحظوا الکتب، قارنوا بین کتبنا وکتبهم، قارنوا بین أسالیب علمائنا وأسالیب شیخ إسلامهم، لتعرفوا الحقّ وتکونوا من أتباع الحق.

إذا عرفتم الحقّ تعرفون أهله، وإذا عرفتم الحق تتّبعونه بلا تردّد.

إذن، عرفنا فی هذا البحث أموراً، وکان لهذا البحث فوائد عدیدة، ولا حاجة إلى الاطالة بأکثر ممّا ذکرته لکم.

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرین.